كذلك المعذرة تمنع قبح الذنب (١) .
وقيل : يعني ولو جاء بأعذاره ، بأن يقول : حملني على العصيان الضرورة وشدّة الحاجة ، أو الجهل بالحكم ، أو خوف ذهاب الجاه ونحوها من الأعذار ، فانّها لا تنفعه ، لعلمه ، بأنّه كاذب فيها ، أو صادق ولا تكون عذرا فيه (٢) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ، ويستر سيئا ؟ أليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنّه ليس كذلك ، والله عزوجل يقول : ﴿بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ إنّ السريرة إذا صلحت قويت العلانية » (٣) . وعنه عليهالسلام أنّه تلا هذه الآية فقال : « ما يصنع الانسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه ؟ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقول : من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ » (٤) .
﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ * كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (١٦) و (٢١)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه أنّ علم الانسان يوم القيامة بما صدر منه في الدنيا كاف لا يحتاج إلى إخبار الغير به في ذلك اليوم ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله يستعجل في قراءة ما يقرؤه عليه جبرئيل من القرآن ليحفظه ، بيّن سبحانه أنّك يا محمد لا تحتاج إلى التعجيل في القراءة في حفظك القرآن بقوله : ﴿لا تُحَرِّكْ﴾ بالقرآن ولا تنطق ﴿بِهِ لِسانَكَ﴾ حال قرأءة جبرئيل عليه آياته ﴿لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ وتسارع إلى أخذه وحفظه مخافة أن ينفلت ، فكما أنّ علينا جمع العظام النّخرة ﴿إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ في صدرك بحيث لا ينفلت منه شيء من آياته وكلماته وحروفه ، ولا يخفى عليك شيء من معانيه ﴿فَإِذا قَرَأْناهُ﴾ عليك بلسان جبرئيل وتمّت قراءته وتلاوته وسكت ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ وتلاوته عليك ، واتله كما تلي ، ولا تكلّف نفسك بالقراءة مقارنة لقراءته.
أقول : فظهر أنّه ليس في الآية نهي تحريم حتى يرد إشكال ، بل هو إرشاد إلى الأسهل ورفع للكلفة عنه.
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا﴾ في كلّ ما أشكل عليك فهمه ﴿بَيانَهُ﴾ وتوضيحه ، فلا تعجل في السؤال عن مشكلاته بين قراءة جبرئيل عليك ، فظهر من الآية المباركة أنّه صلىاللهعليهوآله كان يقرأ مع قراءة جبرئيل ويسأل في أغنائها عن مشكلاته ومعانيه ، لحرصه على العلم ، فارشد إلى تركهما.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢٢ ، وفيه : المعذرة عقوبة الذنب.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٧.
(٣) الكافي ٢ : ٢٢٣ / ١١ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٩٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٥.
(٤) الكافي ٢ : ٢٢٣ / ٦ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٩٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٥.