ثمّ لمّا نهى سبحانه النبي صلىاللهعليهوآله عن التعجيل في القرآن والسؤال اللذين هما من أعمال الدين ذمّ سبحانه الناس على حبّ الدنيا العاجلة بقوله تبارك وتعالى : ﴿كَلَّا﴾ ليس لأحد التعجيل في الامور ، وليس اعتذاركم أيّها الناس في القيامة صدقا ﴿بَلْ﴾ عصيتم ربّكم لأنّكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه ، ولذا كنتم ﴿تُحِبُّونَ﴾ الدنيا ﴿الْعاجِلَةَ﴾ وتعملون لها ﴿وَتَذَرُونَ﴾ وتتركون النشأة ﴿الْآخِرَةَ﴾ وتعرضون عنها.
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ
بِها فاقِرَةٌ * كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ *
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٢٢) و (٣٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حسن حال المؤمنين وسوء حال الكافرين فيها لحثّ الناس على العمل لها بقوله : ﴿وُجُوهٌ﴾ كثيرة وهي وجوه المؤمنين الصالحين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت ﴿ناضِرَةٌ﴾ وحسنة ومشرقة بهية من أثر النعمة والراحة ، وهي ﴿إِلى﴾ رحمة ﴿رَبِّها ناظِرَةٌ﴾.
عن الرضا عليهالسلام قال : « يعني مشرقة تنتظر ثواب ربّها » (١) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام - في حديث - قال : « ينتهى أولياء الله بعد ما يفرغون من الحساب إلى نهر يسمّى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه ، فتبيّض وجوههم إشراقا ، فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم » قال : « فذلك قوله تعالى : ﴿إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ وإنّما يعني بالنظر إليه إلى ثوابه تبارك وتعالى » .
والناظرة في بعض اللغة : هي المنتظرة ، ألم تسمع إلى قوله : ﴿فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ؟﴾ أي منتظرة (٢) .
أقول : قد غلط جمهور أهل اسنّة - وهم الأشاعرة - حيث تمسّكوا بالآية لإثبات أن المؤمنين يرون الله تعالى بأبصارهم في القيامة ، لعدم جواز التمسّك بظواهر الآيات لإثبات المحال العقلي ، مع أنّ الآية غير ظاهرة في مدّعاهم ، لجواز كون الناظرة بمعني منتظرة.
﴿وَوُجُوهٌ﴾ كثيرة ، وهي وجوه الكفّار ﴿يَوْمَئِذٍ ،﴾ وحين قيام القيامة ﴿باسِرَةٌ﴾ وعابسة كالحة ، مظلمة ألوآنها معدمة آثار السرور والنعمة منها ، لظهور الشقاء واليأس من رحمة الله ، فعند ذلك
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١١٤ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٦.
(٢) الاحتجاج : ٢٤٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٦.