في تفسير سورة الانسان
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة القيامة ببيان بدو خلق الانسان وخلق صنفين منه الذكر والانثى ، اردفت بسورة الانسان المبدوءة ببيان ابتداء خلق الانسان ، وجعله صنفين الشكور والكفور ، وقال سبحانه في السورة السابقة : إنّ الكفّار يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة ، وفي هذه السورة أنّهم يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذكر بدو خلق الانسان بقوله تعالى : ﴿هَلْ أَتى﴾ ومضى ﴿عَلَى الْإِنْسانِ﴾ في بدو خلقه ﴿حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ ومدّة طويلة من الزمان وهو ﴿لَمْ يَكُنْ﴾ في تلك المدّة ﴿شَيْئاً﴾ وموجودا ﴿مَذْكُوراً﴾ باسم من الأسماء ، بل كان في هذا العالم معدوما صرفا ، وإنما كان في علم الله مقدورا عنها ، كان مذكورا في علم الله ولم يكن مذكورا في الخلق.
وعن الصادق عليهالسلام : « كان مقدورا غير مذكور » (١) .
وعنه عليهالسلام : « كان شيئا مقدورا ولم يكن مكوّنا » (٢) . قيل : إن المراد من الانسان في الآية آدم أبو البشر (٣) . روي عن ابن عباس : أنّه خلق من طين ، فأقام أربعين سنة ، ثمّ من صلصال فأقام أربعين سنة ، ثمّ من حمإ مسنون ، فأقام أربعين سنة ، فتمّ خلقه بعد مائة وعشرين سنة ، ثمّ نفخ فيه الرّوح (٤) .
وفي رواية اخرى عنه : أنّ المراد من ﴿حِينٌ﴾ هنا هو الزمن الطويل الممتدّ الذي لا يعرف مقداره(٥).
أقول : المراد من الزمن الطويل الذي لا يعرف مقداره مدّة كونه مقدورا في علم الله.
ثمّ بيّن سبحانه خلق أولاد آدم بقوله : ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ﴾ وأولاد آدم ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ﴾
__________________
(١) الكافي ١ : ١١٤ / ٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٩.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٦١٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٩.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٥ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٧٠.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٥ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٧٠.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٥ ، ولم ينسبه إلى أحد.