ومختلط ومركب من ماء الرجل وماء المرأة ، على ما روى عن الباقر عليهالسلام (١) .
قيل : لكلّ من الماءين أوصاف تغاير أوصاف الآخر ، فانّ ماء الرجل أبيض غليظ له قوّة العقد ، وماء المرأة أصفر رقيق فيه قوّة الانعقاد ، فما كان في الولد من عصب وعظم وقوّة فمن ماء الرجل ، وما كان فيه من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة. قيل : إنّه مروي (٢) .
وقيل : إنّ المراد اختلاط ماء الرجل بدم الحيض (٣) .
قال بعض المفسرين : إنّه يختلط الماء أولا بدم الحيض ، ثمّ يصير علقة (٤) .
وقيل : إنّ المعنى من نطفة ذات أمشاج ، واخلاط من الطبائع كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة(٥) .
وقيل : يعني ذات أطوار وألوان ، فانّ النطفة تصير علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظاما إلى تمام الخلق ، وهو مرويّ عن ابن عباس (٦) .
ثمّ بيّن سبحانه حكمة هذا الخلق البديع بقوله : ﴿نَبْتَلِيهِ﴾ والتقدير لنبتليه بالتكليف. وقيل : إنّه حال ، والمعنى : حال كوننا مريدين ابتلاءه وامتحانه (٧) .
ثمّ بيّن سبحانه أنّه أعطاه ما يصحّ معه ابتلاؤه. بقوله : ﴿فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ فبالسمع يدرك الآيات التنزيلية والمواعظ الإلهية وبالبصر يدرك الآيات التكوينية والعبر النافعة.
وقيل : إنّ المراد أعطيناه الحواسّ الخمس ، وإنّما خصّ الحسّين السمع والبصر - بالذكر لكونهما أعظمها وأشرفها وأنفعها (٨) . وقيل : إنّ المراد بهما الفهم والتميز (٩) ، والمعنى : جعلناه فهيما مميزا.
﴿إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً * إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ
وَأَغْلالاً وَسَعِيراً * إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً
يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٣) و (٦)﴾
ثمّ بيّن سبحانه إتمام لطفه به بقوله تعالى : ﴿إِنَّا هَدَيْناهُ﴾ بتوسّط إعطائه العقل وإرسال الرسول وإنزال الكتب السماوية ﴿السَّبِيلَ﴾ الذي يوصله إلى قربنا ، وكأنّه تعالى قال : خلقته للابتلاء ، وأعطيته جميع ما يحتاج إليه في التعيّش والهداية إلى الحقّ ليكون ﴿إِمَّا شاكِراً﴾ لنعم الله بالايمان والطاعة
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٩٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٩.
(٢) تفسير أبي السعود ٩ : ٧٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٠.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٠.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٦.
(٦) تفسير أبي السعود ٩ : ٧٠ ولم ينسبه إلى أحد.
(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٧.
(٨) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٧.
(٩) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٧.