﴿وَإِمَّا كَفُوراً﴾ لنعمه بالكفر والعصيان.
وقيل : إنّ المعنى أنّا هديناه ، فان شاء فليشكر ، وإن شاء فليكفر (١) .
وقيل : إنّ المراد إنّا مكّناه سلوك الطريق الموصل إلى المطلوب في حالتي شكره وكفرانه (٢) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « عرّفناه إمّا آخذا ، وإمّا تاركا » (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام : « إمّا آخذ فشاكر ، وإما تارك فكافر » (٤) .
ثمّ بيّن حال الكافرين في الآخرة بقوله : ﴿إِنَّا أَعْتَدْنا﴾ وهيأنا ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ في الآخرة ﴿سَلاسِلَ﴾ يقادون بها ﴿وَأَغْلالاً﴾ وقيودا يقيّدون بها. وقيل : إنّ السلاسل بها تشدّ أرجلهم ، والأغلال تشدّ بها أيديهم إلى رقابهم (٥)﴿وَسَعِيراً﴾ ونارا مشتعلة موقدة بأجسادهم كما توقد بالحطب.
ثمّ بيّن سبحانه حال الشاكرين بقوله تعالى : ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ﴾ والشاكرين الأخيار ﴿يَشْرَبُونَ﴾ في الآخرة ﴿مِنْ كَأْسٍ﴾ وإناء خمر ﴿كانَ﴾ في علم الله ﴿مِزاجُها﴾ وخليطها شيئا يشبه ﴿كافُوراً﴾ في البياض والبرودة وطيب الرائحة عن ابن عباس : أنّ المراد بالكأس هو الخمر (٦) .
وقيل : إنّ الكافور اسم عين في الجنّة ماؤها في البياض والبرودة والرائحة كالكافور ، ولكن ليس فيه طعمه ومضرّته ، والمراد أنّ شرابهم ممزوج بماء تلك العين (٧) ، أعني ﴿عَيْناً﴾ صفتها أنّه ﴿يَشْرَبُ﴾ الخمر ممزوجة ﴿بِها﴾ أو يلتدّ بها ﴿عِبادُ اللهِ﴾ الأبرار ، وهم ﴿يُفَجِّرُونَها﴾ ويجرونها حيث شاءوا من منازلهم ﴿تَفْجِيراً﴾ سهلا لا كلفة عليهم فيه.
﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ
مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا
شُكُوراً * إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ
وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيها
عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (٧) و (١٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أعمالهم التي يستحقّون بها هذا الأجر ، كأنّه قيل : بماذا استحقّوا هذا الأجر ؟ فقال سبحانه : ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ ويؤدّون ما أوجبوا على أنفسهم بسبب النّذر ، فكيف بما أوجبه الله عليهم ؟
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٩ : ٧١.
(٣) الكافي ١ : ١٢٤ / ٣ ، التوحيد : ٤١١ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٩.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٩٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٩.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٠.
(٦و٧) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٠.