كان بعد إدخال الكلّ ، وهي تطلب الزيادة في سعتها وإلقاء الكفّار فيها (١) .
وقيل : إنّه لا يكون سؤال وجواب ، وإنّما ذكر الله سبحانه ذلك على سبيل التمثيل والتخيّل (٢) . إظهارا لامتلاء جهنّم ، واشتياقها إلى الكفّار ، والحقّ أنّه بيان الحقيقة والواقع ، حيث إنّ جهنّم بل جميع ما في عالم الآخرة لها شعور وحياة وقوة نطق ، كما دلّ عليه بعض الأخبار.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان شدة غضبه وعذابه على الكفّار ، بيّن كثرة لطفه ورحمته للمؤمنين المتقين بقوله : ﴿وَأُزْلِفَتِ﴾ وقربت ﴿الْجَنَّةُ﴾ في ذلك اليوم ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ والمحترزين عن الشرك والكفر والعصيان ، بحيث يرونها من الموقف ، ويطّلعون على ما فيها من المحاسن والبهجة والنّعم ، ليزيد فرحهم وابتهاجهم ، وهي تكون شيئا ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ عنهم ، وفيه تأكيد لكمال قربها منهم وإكرامه لهم ، وأيضا في صدر الآية دلالة على أنّ الجنة تقرب إليهم ، لا أنّهم يقربون إلى الجنّة ، ويحتمل أن يكون المراد بالقرب هنا كناية عن سهولة دخولهم فيها.
وعن القمي رحمهالله : أنّ المعنى زيّنت الجنّة للمتقين بسرعة (٣) .
ثمّ يقال لهم تفريحا لقلوبهم : ﴿هذا﴾ الذي تشاهدونه من الجنّة ونعيمها ﴿ما﴾ كنتم في الدنيا ﴿تُوعَدُونَ﴾ وتبشّرون به على إيمانكم وطاعتكم ، في كتابنا المنزل على لسان النبي المرسل. ثمّ ابدل سبحانه عن المتّقين بقوله : ﴿لِكُلِّ أَوَّابٍ﴾ ورجّاع إلى ربّه بالتوبة والاستغفار من ذنوبه ﴿حَفِيظٍ﴾ يحفظ توبته من النقض ، وعهده مع الله بالطاعة من الرفض ، وقيل : الرجّاع إلى الله بالفكر (٤) والتوجّه بالقلب ، شديد التحفّظ على طاعة أحكامه وأوامره ونواهيه.
﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ
الْخُلُودِ * لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٣) و (٣٥)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في توضيح المتّقين بقوله : ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ﴾ وخاف من الله العظيم ، مع كونه الرحمن المبالغ في الرحمة والعطوفة بعبده حال كونه ﴿بِالْغَيْبِ﴾ من خلقه لا يرونه بالحواسّ الظاهرة ، أو خشى الرحمن من أن يعاقبه حال كون عقابه بالغيب لم يره بعينه ﴿وَجاءَ﴾ ربه في الآخرة ﴿بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ وحضر عنده مع قلب سليم من الشرك ورذائل الأخلاق والشكّ والنفاق.
ثمّ يقال لهم على رؤوس الأشهاد من قبل الله تبارك وتعالى : أيّها المتقون ، اذهبوا إلى الجنة التي
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ١٧٤.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٤٢٤ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١٣٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٢٧.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٢٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٦٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ١٧٦.