في تفسير سورة المرسلات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنَّاشِراتِ نَشْراً * فَالْفارِقاتِ فَرْقاً
* فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً (١) و (٦)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الإنسان المتضمّنة لذمّ الكفّار بأنّهم يذرون وراءهم يوما ثقيلا ، وذكر دلائل وقوعه ، وسوء حال المكذّبين ، وحسن حال المؤمنين ، ونظمت سورة المرسلات المتضمّنة لاثبات وقوع ذلك اليوم الثقيل ، وشرح ثقله بذكر أهواله وشدائده ، وتهديد مكذّبيه ، وبيان سوء حالهم ، وحسن حال المؤمنين ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالقسم بالملائكة إظهارا لعظمتهم وكرامتهم عنده وتأكيدا للمدّعى بقوله : ﴿وَالْمُرْسَلاتِ﴾ من قبل الله من الملائكة ، لإيصال النّعم إلى الخلق ، وتبليغ الأحكام والعلوم إلى الرسل ، ولخلق ما في الأرحام ، وكتابة الأعمال ، وحفظ النفوس من البلايا ، وإنزال العذاب ، إرسالا ﴿عُرْفاً﴾ ومتتابعا كعرف الفرس ، أو معروفا ومستحسنا عند العامّة ، أو المؤمنين ، فانّ نزول العذاب على الأعداء إحسان إلى الأولياء.
ثمّ رتّب سبحانه على رسالتهم بيان سرعتهم في امتثال أوامر الله بقوله : ﴿فَالْعاصِفاتِ﴾ في طيرانهم ، والمسرعات بالشّدة في امتثال أوامر الله ، كما تصف الرياح ﴿عَصْفاً﴾ وسيرا شديدا ، وقيل : إنّ المراد بالعاصفات الملائكة الذين يلهبون بأرواح الكفار ويهلكونها (١) ﴿وَالنَّاشِراتِ﴾ بأجنحتهم عند انحطاطهم إلى الأرض ، أو الشرائع في أهل الأرض ، أو للرحمة والعذاب ، أو لصحف الأعمال يوم الحساب ، أو للنفوس الموتى بالكفر والجهل [ بطريق ] الوحي الذي هو حياة القلوب ﴿نَشْراً﴾ معجبا بديعا.
ثمّ رتّب سبحانه على نشرهم أمرين : الأول بقوله : ﴿فَالْفارِقاتِ﴾ والمميزات بين الحقّ والباطل
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٦٤.