ترونها و ﴿ادْخُلُوها﴾ حال كونكم مكرمين ﴿بِسَلامٍ﴾ من الله وملائكته ، أو متلبّسين بسلامة من العذاب والآفات وزوال النعم وحلول النقم ، آمنين منها ﴿ذلِكَ﴾ اليوم الذي أنتم فيه ﴿يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ في الجنّة ونعمها والبقاء فيها أبدا.
ثمّ بشّر الله سبحانه في الدنيا المتّقين بنعمه التي أعدّت لهم في الجنّة بقوله : ﴿لَهُمْ ما يَشاؤُنَ﴾ ويشتهون ﴿فِيها﴾ من المآكل اللذيذة ، والأشربة الطيبة ، والملابس الناعمة الفاخرة ، والحور والقصور ، والسّرر المرفوعة ، والنّمارق المصفوفة وغيرها في أيّ زمان وحال. ويحتمل أن يكون ذلك خطابا للملائكة الموكّلين بخدمتهم ، والمراد اعلموا يا ملائكتي أن لهم ما يشاؤون ، فأحضروا عندهم ما يشتهون ﴿وَلَدَيْنا﴾ على ذلك ﴿مَزِيدٌ﴾ ممّا لا يخطر ببالهم ، ولا تقدرون أنتم عليه ، ولا يندرج تحت مشيئتهم من أنواع اللّذات والكرامات.
قيل : إنّهم يسألون الله حتى تنتهي مسألتهم فيعطيهم ما شاءوا ، ثمّ يزيدهم من عنده ما لم يسألوه ، ولم تبلغه أمانيهم (١) .
قيل : إنّ السّحاب تمرّ بأهل الجنّة فتمطرهم الحور ، فتقول : نحن المزيد الذي قال الله تعالى : ﴿وَلَدَيْنا مَزِيدٌ﴾(٢) . وروي أنّ هذه الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى (٣) . وعن القمي رحمهالله ، قال : النظر إلى رحمة الله (٤) .
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ
مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ
شَهِيدٌ (٣٦) و (٣٧)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد تهديد المشركين المنكرين للبعث بعذاب الآخرة وأهوالها ، وترغيبهم إلى الايمان والتقوى ببيان حسن عاقبة المتّقين ، هدّدهم بما نزل على أمثالهم من الامم الماضية من العذاب بقوله : ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا﴾ وكثيرا ما عذّبنا بعذاب الاستئصال ﴿قَبْلَهُمْ﴾ وفي الأعصار السابقة على عصر قومك ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ وجماعات مقترنين في العصر ﴿هُمْ أَشَدُّ﴾ من قومك وأكثر ﴿مِنْهُمْ بَطْشاً﴾ وقوة في الجسم ، كعاد وثمود وغيرهم ، لكفرهم وتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث ﴿فَنَقَّبُوا﴾ وبحثوا وتصرّفوا ، أو جالوا ﴿فِي الْبِلادِ﴾ وأذلّوا أهلها وقهروهم وأستولوا عليهم ، وهم قائلون حين نزول
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ١٣٢.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٩ : ١٣٢.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٢٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٦٤.