﴿فَرْقاً﴾ وتميزا ظاهرا ، والثاني بقوله : ﴿فَالْمُلْقِياتِ﴾ إلى الأنبياء ﴿ذِكْراً﴾ وعظة شافية ، أو علما وحكمة ، أو كتابا سماويا. قيل : هو القرآن ، وإطلاق صيغة الجمع وإرادة جبرئيل وحده لتعظيمه ، وإنّما يلقون الذّكر ليكون ﴿عُذْراً﴾ وقاطعا للحجّة بالنسبة إلى الكافرين ، أو عذرا للمعتذرين إلى الله بالتوبة والاستغفار والمحقّين ﴿أَوْ نُذْراً﴾ وتخويفا للكافرين والمبطلين ، أو بمن اتّبع الذكر.
وقيل : إنّ المراد من المرسلات والعاصفات الرياح المرسلة للعذاب ، ومن الناشرات رياح الرحمة نشرن في الجوّ وفرّقن السّحاب ، أو نشرن للموات ففرّقن كلّ صنف منها عن سائر الأصناف ، أو فرّقن بين الشاكرين لنعم الله وكفورها وبين الموحّد والمشرك ، وألقين الذكر والايمان في قلوب المؤمنين (١) .
وقيل : إنّ المراد من الجميع آيات القرآن ، فإنّها المرسلات المتتابعات ، أو بكلّ خير ومعروف ، وهي العاصفات والمذهبات بالأديان الباطلة ، وهي الناشرات للهداية والحكم في الأقطار ، والفارقات بين الحقّ والباطل (٢) ، والذوات الطيبة والخبيثة ، والملقيات لذكر الله في القلوب ، وفيها العذر والنّذر.
وقيل : إنّ المراد من الثلاثة الأول الرياح ، ومن الاثنين الآخرين الملائكة فانّهم بإنزال الوحي يفرّقون بين الحقّ والباطل ، ويلقون الذّكر إلى الرسل (٣) .
وقيل : إنّ المراد بالأولين الرياح ، وبالثلاثة الباقية الملائكة ، لأنّهم ينشرون الوحي والدين ، وبه يفرّقون بين الحقّ والباطل ، ويظهرون الذّكر في القلوب والألسنة (٤) .
والجمع بين القسم بالرياح والملائكة ، لكونهما شبيهتين في اللطافة وسرعة السير ، واحتمل غير ذلك ممّا لا يهمّنا ذكره بعد وضوح كون التفسير الأول أقرب في النظر وأنسب.
﴿إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا
الْجِبالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَما
أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ
نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٧) و (١٩)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿إِنَّما تُوعَدُونَ﴾ أيّها الناس بلسان الأنبياء من الحشر والحساب ومجازاة الأعمال ﴿لَواقِعٌ﴾ لا محالة لاقتضاء الحكمة البالغة ذلك ، وامتناع الخلف للوعد
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٦٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٦٦.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٦٧.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٦٧.