قال : من أجرم إلى آل محمد وركب من وصيّته ما ركب » (١) .
﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ * إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ *
فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً *
أَحْياءً وَأَمْواتاً * وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً * وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٠) و (٢٨)﴾
ثمّ أنكر سبحانه على الكفّار تكذيبهم بالمعاد لاستبعادهم إياه بتقريرهم بالخلق الأول الدالّ على إمكان الخلق الثاني وقدرته عليه بقوله : ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ﴾ أيّها المنكرون للمعاد في الدنيا بقدرتنا ﴿مِنْ ماءٍ مَهِينٍ﴾ ومبتذل لا يعتنى به ، والنّطفة القذرة التي يتنفّر منها ﴿فَجَعَلْناهُ﴾ ومكّناه ﴿فِي قَرارٍ﴾ ومقرّ ﴿مَكِينٍ﴾ وحصين ومحفوظ من الآفات والعوارض الخارجية ، وهو الرّحم الذي هو وعاء الولد حال كونه باقيا فيه ﴿إِلى قَدَرٍ﴾ وأجل معين ومقدار ﴿مَعْلُومٍ﴾ من الوقت الذي قدّره الله تعالى للولادة ، وهو من ستة أشهر إلى تسعة أشهر ﴿فَقَدَرْنا﴾ وخلقنا جسده وأعضاءه وجوارحه أكمل خلق ﴿فَنِعْمَ الْقادِرُونَ﴾ نحن.
قيل : يعني فقدرنا في ذلك المكان الضيق المظلم على خلقه وتصويره كيف شئنا ، فنعم القادرون حيث خلقناه على أحسن صورة وهيئة (٢) تكون مع صغره انموذجا للعالم الكبير.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بقدرتنا على إعادته التي هي أهون.
قيل : إنّ الله تعالى خوّف الكفّار بكثرة نعمه عليهم ، فانّ نعم المنعم إذا كانت أكثر كان عصيانه أقبح وعقابه أشدّ (٣) ، فذكر الله سبحانه في الآية السابقة نعمة التي في أنفسهم ، ثمّ ذكر نعمه الخارجية الآفاقية بقوله : ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ﴾ لكم ﴿الْأَرْضَ﴾ الواسعة التي تحت أقدامكم ﴿كِفاتاً﴾ وجامعا أو حافظا (٤) أو مساكن في حال كونكم ﴿أَحْياءً وَ﴾ كونكم ﴿أَمْواتاً﴾.
روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه نظر في رجوعه من صفّين إلى مقابر الكوفة ، وقال : « هذه كفات الأموات » ثمّ نظر إلى بيوت الكوفة فقاله : « هذه كفات الأحياء » أي مساكنهم ، ثمّ تلا هذه الآية » (٥) .
﴿وَجَعَلْنا﴾ لكم بعد خلق الأرض ﴿فِيها﴾ جبالا ﴿رَواسِيَ﴾ وثوابت ﴿شامِخاتٍ﴾ ومرتفعات
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٦١ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٩.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٣.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٣.
(٤) كذا ، والظاهر : وجامعة أو حافظة.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٠٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٩.