لأنّه لو لم يحسن لزم البخل وتساوي المطيع والمعاصي ، وهما محالان ، وأمّا الزائد فإحسان حسن غير واجب ، فلذا جمع سبحانه في ثوابهم بين الجزاء والإحسان ، وهذا مراد من قال : العطاء موضع الفضل لا موضع الجزاء ، لأنّ الجزاء على الأعمال ، والفضل موهبة من الله مختصة بالخواصّ من أوليائه.
عن ( الأمالي ) عن أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث قال : « حتى إذا كان يوم القيامة حسب لهم حسناتهم ، وأعطاهم بكلّ واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : ﴿جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ﴾ » (١) .
﴿رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً * يَوْمَ
يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ
صَواباً (٣٧) و (٣٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة جزائه وكثرة عطائه بقوله : ﴿رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا﴾ هو ﴿الرَّحْمنِ﴾ والفيّاض المطلق على جميع الممكنات بجميع الخيرات ، فمن كان بهذه العظمة والجود لا يضيع عمل عامل عنده ، ولا يكون عطاءه قليلا ، بل كان في غاية العظمة ، ويكون من عظمته وكبريائه أنّ الأنبياء والرسل وأعاظم الملائكة ﴿لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ﴾ لغاية عظمته وكبريائه ﴿خِطاباً﴾ ومكالمة معه والاعتراض عليه في ثواب أو عقاب.
ثمّ لمّا كان المشركون مدّعين أنّ الملائكة والأصنام شفعاءهم عند الله يوم القيامة ، ردّهم سبحانه بقوله : ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾ الذي هو أعظم من جميع الملائكة ﴿وَالْمَلائِكَةُ﴾ الذين هم سكّان السماوات وأقرب الموجودات إلى الله تعالى ﴿صَفًّا﴾ واحدا أو أكثر ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ﴾ في ذلك اليوم إجلالا له وخضوعا لديه وخوفا منه ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ﴾ في التكلّم والشفاعة ﴿وَقالَ﴾ ذلك المأذون قولا ﴿صَواباً﴾ وحقا واقعا في محلّه ومرضيا عنده ، فكيف بغيرهم ؟
وقيل : لا يتكلّمون في حقّ أحد إلّا في حقّ شخص أذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صوابا وحقّا - وهو التوحيد - دون غيره من أهل الشرك (٢) . وفي ذكر الرحمن هنا إشعار بأنّ مناط الإذن هو الرحمة الواسعة.
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٢٦ / ٣١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧٧.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٣١٠.