في تفسير سورة النازعات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقاتِ
سَبْقاً * فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ
يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ * أَبْصارُها خاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ *
أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً * قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ * فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ *
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١) و (١٤)﴾
ثمّ لمّا ختمت السورة النبأ المتضمّنة لأهوال القيامة ، والاستدلال على وقوعها ، وسوء حال الكافرين المكذّبين لها ، وحسن حال المؤمنين المقرّين بها ، نضمت سورة النازعات المتضمّنة لتلك المطالب العالية ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذكر الايمان بأصناف الملائكة بقوله : ﴿وَالنَّازِعاتِ﴾ والجاذبات من الملائكة لأرواح الكفّار ﴿غَرْقاً﴾ ونزعا وجذبا شديدا من أجسادهم كما ينزع في القوس بشدّة حتى ينتهى إلى النّصل ﴿وَالنَّاشِطاتِ﴾ والمخرجات من الملائكة أرواح المؤمنين ﴿نَشْطاً﴾ إخراجا برفق ولطف من أبدانهم ، كما يخرج الدلو من البئر ﴿وَالسَّابِحاتِ﴾ والمرفقات في ذلك الإخراج لئلا يصل إليهم ألم وشدّة ، كما يرفق السابح في الماء في حركاته لئلا يغرق في الماء ﴿سَبْحاً﴾ ورفقا بالغا لئلّا يحسّوا تعبا ﴿فَالسَّابِقاتِ﴾ والمسرعات من الملائكة بأرواح الكفّار إلى الغار وأرواح المؤمنين إلى الجنّة والراحة والنّعمة ، ليروا صدق مواعيد الله ﴿سَبْقاً﴾ وسرعة لا يشابهها (١) سبق سابق وسرعة سريع ﴿فَالْمُدَبِّراتِ﴾ من اولئك الملائكة ﴿أَمْراً﴾ أراد الله في حقّ كلّ منهم من العقاب والثواب للذين أعدهما (٢) الله لهم في الآخرة ، على ما رواه العامة عن أمير المؤمنين ، وابن عباس ، ومسروق (٣) .
__________________
(١) في النسخة : لا يشابهه.
(٢) في النسخة : أعدّه.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٢٧ ، وفي النسخة : ابن مسروق.