وقيل : إن علّة الفرار تضييعه لحقوقهم وارتكاب الظّلم عليهم (١) .
عن الرضا عليهالسلام قال : « قام رجل يسأل أمير المؤمنين عليهالسلام عن آية ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ﴾ وقال : من هم ؟ قال : قابيل يفرّ من هابيل ، والذي يفرّ من امّه موسى ، والذي يفرّ من أبيه إبراهيم » (٢) . أقول : لا بدّ من حمل الرواية على بيان المثال.
روى في ( المجمع ) عن سودة زوج النبي صلىاللهعليهوآله أنّها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يبعث الناس حفاة عراة غرلا (٣) ، يلجمهم العرق ، ويبلغ شحمة الاذن » قلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض (٤) ؟ قال : شغل الناس عن ذلك وتلا هذه الآية (٥) .
وروى بعض العامة أنّ عائشة قالت : يا رسول الله ، كيف يحشر الناس ؟ قال : « حاة عراة » قالت : وكيف تحشر النساء ؟ قال : « حفاة عراة » قالت : واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة ؟ فقرأ رسول الله هذه الآية : ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ﴾ إلى آخرها (٦) .
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ *
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٣٨) و (٤٢)﴾
ثمّ ذكر سبحانه حسن حال المؤمنين بقوله : ﴿وُجُوهٌ﴾ للمؤمنين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت الهائل ﴿مُسْفِرَةٌ﴾ ومشرقة كالشمس المضيئة ﴿ضاحِكَةٌ﴾ وفرحة للعلم بالفوز بالسعادة الأبدية ، والنجاة من آلام الدنيا ومتاعبها ، والفراغ من الحساب بسرعة ويسر ﴿مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ بالنعيم المقيم والراحة الدائمة من قبل الله ، أو الملائكة فانّهم يقولون لهم : ﴿أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾(٧) . ﴿وَوُجُوهٌ﴾ اخر للأشقياء ﴿يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ﴾ وكدورة من شدّة الخوف ﴿تَرْهَقُها﴾ وتغشاها ﴿قَتَرَةٌ﴾ وظلمة وسواد كالدّخان من الخجلة والوحشة ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بسواد الوجه والغبرة ﴿هُمُ الْكَفَرَةُ﴾ بالله ورسله ﴿الْفَجَرَةُ﴾ في أعمالهم ، والعصاة لخالقهم.
عن الصادق عليهالسلام : « من قرأ سورة ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ و﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ كان تحت جناح الله من الجنان ، وفي ظلّ الله وكرامته في جنّاته ، ولا يعظم ذلك على الله إن شاء الله تعالى » (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ٦٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١١٣.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٤٥ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٨.
(٣) الغرل : جمع أغرل ، وهو الذي لم يختتن.
(٤) زاد في النسخة وتفسير الصافي : إذا جاء.
(٥) مجمع البيان ١٠ : ٦٦٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٨.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٤٠.
(٧) فصلت : ٤١ / ٣٠.
(٨) ثواب الأعمال : ١٢١ ، مجمع البيان ١٠ : ٦٦١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٨٩.