من الأرض السّفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج ونباح الكلاب (١) ، ثمّ هويت بهنّ وقلبتهنّ ، وأما أمانتي فانّي لم اؤمر بشيء فعدوته إلى غيره » (٢) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال لجبرئيل لمّا نزلت : ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾(٣) : « أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ » قال : نعم ، إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر ، فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله : ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ (٤) .
عن الصادق عليهالسلام - في قوله ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ - قال : « يعني جبرئيل » . قوله : ﴿مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ؟﴾ قال : « يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله هو المطاع عند ربّه ، الأمين يوم القيامة » (٥).
أقول : لا شبهة أن الوصفين منطبقان على رسول الله صلىاللهعليهوآله ولكن الظاهر أنّهما وصفان لجبرئيل.
﴿وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِضَنِينٍ * وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ
لِلْعالَمِينَ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ
الْعالَمِينَ (٢٢) و (٢٩)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات كون القرآن كلام الله ، ردّ قول مكذّبي الرسول ونسبتهم إياه إلى الجنون بقوله : ﴿وَما صاحِبُكُمْ﴾ محمد صلىاللهعليهوآله المدّعي للرسالة فيكم ، يا أهل مكّة ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ كما تزعمون بل هو أعقل أهل العالم ، ومخبركم عن الله جميع ما يقول لكم بتوسّط جبرئيل.
﴿وَ﴾ بالله ﴿لَقَدْ رَآهُ﴾ وعاين شخصه ﴿بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ وعند مطلع الشمس الأعلى ، والأظهر في السماء ، وليس محمد ﴿وَما هُوَ عَلَى﴾ ما أخبركم من ﴿الْغَيْبِ﴾ كقصص الأنبياء السابقة والامم السالفة ﴿بِضَنِينٍ﴾ ومتّهم بالكهانة والتعلّم من العلماء والكذب في الاختلاق.
وقيل : يعني ببخيل بأداء الوحي ، فيخبر ببعضه ويمسك عن بعض حتى يأخذ شيئا من الناس ، كما هو دأب الكاهن (٦) .
ثمّ لمّا كان المشركون يقولون : إنّ الشيطان يجيء بهذا القرآن ويلقيه على لسان محمد ؛ ردّهم الله بقوله : ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ﴾ مسترق للسمع ﴿رَجِيمٍ﴾ ومطرود بالشّهب ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ أيّها
__________________
(١) في النسخة : الكلب.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٦٧٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٢.
(٣) الأنبياء : ٢١ / ١٠٧.
(٤) مجمع البيان ٧ : ١٠٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٣.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٠٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٣.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٣.