عن النبي صلىاللهعليهوآله : أنّه لمّا قرأها قال : « غرّه جهله » (١).
وقيل : إنّ ذكره الوصف لتلقين العاصي أن يقول : غرّني كرمك (٢).
قيل : إنّ الكرم يلازم الحكمة (٣) لأنّ العفو العطاء إذا كانا بداعي الحكمة ، كانا كرما ، فكونه كريما يدلّ على كونه حكيما ، كان عليه أن يعيد الخلق للمجازاة ويحشرهم للحساب ، بل يدلّ وصفه بالكرم على وجوب البعث من جهتين : من جهت إيصال النعمة ، ومن جهة الحكمة.
عن ابن عباس : أنّ الآية نزلت في الوليد بن المغيرة (٤) . وقيل نزلت في الأسود بن كلدة الجمحي ، قصد النبي صلىاللهعليهوآله في بطحاء مكة ، فلم يتمكّن منه ، فلم يعاقبه الله على ذلك (٥).
ثمّ وصف سبحانه ذاته بشؤون الكرم بقوله : ﴿الَّذِي خَلَقَكَ﴾ وأعطاك نعمة الوجود ﴿فَسَوَّاكَ﴾ وجعل أعضاءك سوية سليمة من العيوب معدّة لمنافعها ﴿فَعَدَلَكَ﴾ وجعل أعضاءك متناسبة متساوية. وقيل : يعني فصرفك عن الخلقة المكروهة وأعطاك أحسن الهيئة (٦) . وعن ابن عباس : جعلك قائما معتدلا حسن الصورة لا كالبهيمة المنحنية (٧) ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ﴾ من الصور ﴿ما شاءَ﴾ أن يركّبك فيها ﴿رَكَّبَكَ﴾ قيل : إنّ حرف ﴿ما﴾ زائدة (٨) ، والمعنى : في أيّ صورة شاء واقتضت الحكمة ركّبك. وقيل : في أيّ صورة من صور الأب والامّ وأقاربهما (٩) . وقيل : إنّ المراد من الصور المختلفة الاختلاف بحسب الطول والقصر والحسن والقبح والذكورة والانوثة ، فانّ اختلاف النّطفة المتشابهة والأجزاء المتّحدة بالطبيعة في الآثار دليل على خالق قادر مختار (١٠).
﴿كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ
ما تَفْعَلُونَ (٩) و (١٢)﴾
ثمّ لمّا أثبت البعث ردع الناس عن الاغترار بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس لكم أن تغترّوا ﴿بَلْ﴾ لم تغترّوا بكرمه ، وإنّما أنتم ﴿تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ ودار الجزاء ، أو بالاسلام المتضمّن للتكاليف وبيان المجازات عليها ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّ عَلَيْكُمْ﴾ أيّها الناس من قبلنا ﴿لَحافِظِينَ﴾ وضابطين لأعمالكم من الملائكة حال كونهم ﴿كِراماً﴾ على الله ، أو على العباد ، حيث يسارعون إلى كتب الحسنات ، ويتوقّفون في
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٦٨٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٥.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٨٠.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٧٨ و٧٩.
(٤) تفسير الرازي ٣١ : ٧٩.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٧.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٥٩.
(٧) تفسير الرازي ٣١ : ٨٠.
(٨) تفسير الصافي ٥ : ٢٩٦.
(٩) تفسير الرازي ٣١ : ٨١.
(١٠) تفسير الرازي ٣١ : ٨١.