المقتضية لأن لا يرضى بأقلّ قليل من الظّلم ، فكيف بالكثير.
قيل : إنّ أعرابيا قال لعبد الملك بن مروان : قد سمعت ما قال الله في المطفّفين - أراد أنّه تعالى بالغ في تهديد المطفّف في أخذ القليل بالكيل والوزن - فكيف حالك وأنت تأخذ الكثير من أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن (١) .
﴿كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ * كِتابٌ مَرْقُومٌ *
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ
مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٧) و (١٣)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تهديد المطفّفين والردع عنه بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس أمر التطفيف بهذه الحقارة التي تظنّونها. وقيل : إنّ ﴿كَلَّا﴾ هنا بمعنى حقّا (٢)﴿إِنَّ كِتابَ﴾ أعمال ﴿الفُجَّارِ﴾ الذين منهم المطفّفون ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ والأرض السابعة السّفلى ، كما عن الباقر عليهالسلام وابن عباس (٣) ، لغاية بشاعته وحقارته ، أو في أسفل منها في مكان مظلم هو مسكن إبليس وذريّته ، كما عن بعض المفسّرين (٤) . أو في صخرة تحت الأرض السّفلى ، كما عن بعض آخر (٥) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : « سجّين جبّ في جهنّم » (٦) .
أقول : الظاهر أنّه علم مأخوذ من السجن.
عن الباقر عليهالسلام - في رواية - « وأمّا الكافر فيصعد بعمله وروحه حتّى إذا بلغ في السماء نادى مناد : اهبطوا به إلى سجّين ، وهو واد بحضر موت يقال له : برهوت » (٧) .
أقول : يحتمل أن يكون لسجّين معنيان.
وعن الكاظم عليهالسلام أنّه سئل عن قوله تعالى : ﴿إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ قال : « هم الذين فجروا في حقّ الأئمة واعتدوا عليهم » (٨) .
أقول : الظاهر أنّهم أظهر مصاديق الفجّار ، كما أنّ قول الصادق عليهالسلام قال : «هو فلان وفلان» كذلك (٩) .
ثمّ عظّم سبحانه السجّين إرعابا للقلوب بقوله : ﴿وَما أَدْراكَ﴾ أيّها الإنسان ﴿ما سِجِّينٌ﴾ ثمّ قيل : إنّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٦٦.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٩٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٦٦.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤١٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٩ ، ولم ترد فيهما كلمة : السفلى ، تفسير الرازي ٣١ : ٩٢.
(٤) تفسير الرازي ٣١ : ٩٢ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٢٦.
(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٩٢.
(٦) مجمع البيان ١٠ : ٦٨٨ ، تفسير الرازي ٣١ : ٩٢.
(٧) مجمع البيان ٤ : ٦٤٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٩.
(٨) الكافي ١ : ٣٦١ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٩.
(٩) تفسير القمي ٢ : ٤١١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٩٩.