الله تعالى ذمّ كتاب الفجّار (١) بقوله : ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ ومكتوب فيه أعمال الكفّار والفجّار والفسقة من الجنّ والإنس ، تشهده الشياطين. وقيل : مرقوم بمعنى مختوم (٢) . وقيل : يعني كتاب معلّم ( بعلامة ) دالة على شقاوة صاحبه وكونه من أصحاب النار (٣) ﴿وَيْلٌ﴾ عظيم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي وقت قيام الناس لربّهم ، أو وقت تطائر الكتب ﴿لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أعني ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ وأعرضوا عن الآيات البينات الناطقة به.
﴿وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ﴾ ومتجاوز عن حدود العقل ، ومقتصر على التقليد غال فيه ﴿أَثِيمٍ﴾ ومصرّ على عصيان الله ، منهمك في الشهوات الفانية ، غافل عمّا وراءها من اللذات الباقية ، من خبث ذاته وإصراره على الكفر : ﴿إِذا تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِ﴾ لإنذاره وهدايته ﴿آياتُنا﴾ المنزلة في القرآن الدالة على صدق النبي صلىاللهعليهوآله في دعوى رسالته وصحّة البعث. ﴿قالَ﴾ عنادا ولجاجا : إنّها ﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وهي من أكاذيب الأنبياء السابقين ، أو الأخبار المسطورة في دفاتر الامم السالفين ، وتعلّمها محمد ونسبها إلى الله.
قيل : إنّ القائل الوليد بن المغيرة (٤) . وقيل : النضر بن الحارث (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام في تأويله : « هو الأول والثاني ، كانا يكذّبان رسول الله صلىاللهعليهوآله » (٦) .
﴿كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)﴾
ثمّ ردعهم الله سبحانه عن التكذيب بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس الأمر كما يقولون ﴿بَلْ رانَ﴾ وغلب ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ أو غطّى عليها أو طبع عليها ﴿ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ويرتكبون من الكفر والفجور والعصيان حتّى صار كالصدأ على مرآة.
عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : ( أنّ العبد كلّما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء حتّى يسودّ قلبه (٧) .
وعن الباقر عليهالسلام : « ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فاذا أذنب ذنبا خرج في تلك النّكتة نكتة سوداء ، فان تاب ذهب ذلك السواد ، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطّي البياض ، [ فإذا غطّي البياض ] لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا ، وهو قوله تعالى : ﴿بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٦٦.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٩٣.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٦٦.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣١ : ٩٤.
(٦) تتفسير القمي ٢ : ٤١١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٠٠.
(٧) تفسير الرازي ٣١ : ٩٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٢٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٦٧.