يَكْسِبُونَ ﴾ » (١) .
أقول : لعلّ المراد بالبياض لين القلب ونورانيته ، وبالسواد قسوته وظلمته ، وبعده عن التأثّر بالمواعظ الإلهية والآيات القرآنية ، وجرأته على الله إلى أن ينتهى أمره إلى الكفر ، كما قال تعالى : ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ﴾(٢) .
﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ
يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٥) و (١٧)﴾
ثمّ ردعهم سبحانه عن توهّم أنه ليس عليهم تبعة في تكذيبهم بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس الأمر كما يتوهّمون من أنهم لا يؤاخذون بما يقولون ، بل ﴿إِنَّهُمْ عَنْ﴾ ثواب ﴿رَبِّهِمْ﴾ وكرامته ، كما عن أمير المؤمنين عليهالسلام (٣)﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي وقت قيامهم من القبور ، أو في محضر العدل والحساب ﴿لَمَحْجُوبُونَ﴾ ومحرومون ، فلا تشملهم الرحمة الواسعة الإلهية أبدا لعدم قابليتهم لنيلها.
: ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ﴾ مع حرمانهم من الرحمة والكرامة ﴿لَصالُوا الْجَحِيمِ﴾ وملقون فيها بعنف وقهر ، ومباشرون حرّها من غير حاجز وحائل أصلا : ﴿ثُمَ﴾ يضاف على عذابهم الجسماني العذاب الروحاني إذ ﴿يُقالُ﴾ لهم توبيخا وتقريعا والقائل الزبانية والملائكة الغلاظ الشداد حين إشرافهم على النار ، أو بعد إلقائهم فيها : أيّها الكفرة المنكرون للبعث والحساب وجزاء الأعمال ﴿هذَا﴾ العذاب ﴿الَّذِي﴾ ترونه بأعينكم وابتليتم به اليوم ، هو العذاب الذي أخبركم به الأنبياء والمؤمنون في الدنيا و﴿كُنْتُمْ بِهِ﴾ عنادا ولجاجا ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ وتستهزئون.
﴿كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ *
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (١٨) و (٢١)﴾
ثمّ ردعهم الله سبحانه عن توهّم أنّهم في الآخرة مساوون للمؤمنين ، بل هم أحسن حالا منهم بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس الأمر كما تتوهّمون من أنّكم في الآخرة على تقدير تحقّقها ووقوعها كالمؤمنين في حسن الحال ، وأنّهم مثلكم فيها ، بل ﴿إِنَّ كِتابَ﴾ أعمال المؤمنين ﴿الْأَبْرارِ﴾ والصلحاء الأخيار ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ وأعالي الأمكنة ، أو أعالى الجنّة.
__________________
(١) الكافي ٢ : ٢٠٩ / ٢٠ ، مجمع البيان ١٠ : ٦٨٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٠٠.
(٢) الروم : ٣٠ / ١٠.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٦٨٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٠٠.