كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾(١) .
﴿إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ
النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ
الْمُتَنافِسُونَ (٢٢) و (٢٦)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان عظمة كتاب الأبرار بيّن حال أنفسهم في الآخرة بقوله : ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ﴾ والصلحاء من المؤمنين في الآخرة ﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾ ورزق كريم ، وإنما كيفية نعمهم أنّهم : ﴿عَلَى الْأَرائِكِ﴾ والسّرر التي في الحجال ﴿يَنْظُرُونَ﴾ إلى ما أعدّ الله لهم من البساتين والقصور والأطعمة والأشربة والفواكه والحور والغلمان وسائر ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ، وإلى حال أعدائهم وشدّة عذابهم : ﴿تَعْرِفُ﴾ أيّها الناظر ﴿فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ وبهجته وبهاءه والاستبشار ، وقيل : يزيد في وجوههم من الحسن والجمال والنور ما لا يصفه واصف (٢) و ﴿يُسْقَوْنَ﴾ بأيدي الحور والغلمان ﴿مِنْ رَحِيقٍ﴾ وخمر صاف خالص لا غشّ ولا غائلة فيه ﴿مَخْتُومٍ﴾ بأمر الله مطبوع عليه لئلا تمسّه يد لامس إكراما له بالصيانة على ما جرت العادة من ختم ما يصان ويكرم ﴿خِتامُهُ﴾ وما يختم به بدل الطين ﴿مِسْكٌ﴾ أذفر رطب ينطبع فيه الخاتم.
وقيل : يعني عاقبته مسك ، بمعنى أنّ الشارب إذا رفع فاه من آخر شربة وجد ريحه كريح المسك(٣). وقيل : يعني خلطة المسك تطييبا لطعمه ورائحته (٤) . وقيل : هو كناية عن صحة أبدانهم وقوّة شهوته ، حيث إنّ خلط المسك معين على الهضم وقوّة الشهوة (٥) .
وعن أبي الدرداء : شراب أبيض مثل الفضّة يختمون به آخر شربهم ، ولو أنّ رجلا من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثمّ أخرجها لم يبق ذو روح إلّا وجد طيب ريحه (٦) .
﴿وَفِي ذلِكَ﴾ النعيم المذكور ، أو الرحيق المختوم ﴿فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ﴾ وليرغب الراغبون ، لا في النّعم الدنيوية الكدرة السريعة السؤوال والفناء.
﴿وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٢٠ / ٤ ، و٢ : ٣ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٠١.
(٢و٣) تفسير الرازي ٣١ : ٩٩.
(٤) تفسير الرازي ٣١ : ٩٩.
(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٩٩ و١٠٠.
(٦) تفسير الرازي ٣١ : ١٠٠.