في تفسير سورة الذاريات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالذَّارِياتِ ذَرْواً * فَالْحامِلاتِ وِقْراً * فَالْجارِياتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّماتِ
أَمْراً (١) و (٤)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة ( ق ) المصدّرة بالحلف على صدق رسالة رسوله وإثباته ، وإثبات البعث ، وتهديد المكذّبين بما نزل على قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وقوم لوط ، وإثبات التوحيد ببناء السماء ومدّ الأرض وغيرها من الآيات ، اردفت بسورة الذاريات المصدّرة بالحلف على صدق المعاد ، وتهديد المنكرين بما نزل على اولئك الامم مع شرذمة من تفصيل العذاب الواقع بهم ، واثبات التوحيد ببناء السماء وفرش الأرض ، وبعض آخر من المطالب المهمة المربوطة بمطالب السورة السابقة.
قيل : لمّا بيّن الله الحشر بدلائله في السورة السابقة ، وقال : ﴿ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾(١) وذكر إصرار المشركين على الإنكار بقوله : ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾(٢) لم يبق إلّا اليمين ، فنظمت بعدها سورة والذاريات (٣) ، المصدّرة بالحلف على المعاد ، وصدق البعث والحساب ، فابتدأها بذكر الاسماء الحسنى ، بقوله تبارك وتعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ شرع سبحانه بالحلف على صدق المعاد ، فابتدأ بالحلف بالرياح التي تذرّ التراب وتفرّقه في أقطار الأرض بقوله : ﴿وَالذَّارِياتِ﴾ والمطيرات للتّراب والأشياء الخفاف كالحشائش والتبن (٤) في أطراف الأرض ﴿ذَرْواً﴾ وإطارة خاصة بها ، وإنّما قدّم سبحانه الحلف بها لكونها أدلّ على كمال قدرته ، ثمّ حلف بقطعات السّحاب الحاملات للأمطار بقوله : ﴿فَالْحامِلاتِ وِقْراً﴾ وحملا ثقيلا من الماء ، وإنّما قدّمها لكونها أنفع للناس بعد الرياح ، ثمّ حلف سبحانه بالسّفن الجارية بتوسّط الرياح
__________________
(١) سورة ق : ٥٠ / ٤٤.
(٢) سورة ق : ٥٠ / ٤٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٣.
(٤) في النسخة التبين.