على ظلمهم وعصيانهم ، ويثيب المؤمنين المطيعين على صبرهم وطاعتهم ، وكيف ينكرون الإيمان على المؤمنين ويغضبون عليهم مع أنّهم مستحقّون لغاية التكريم والتجليل !
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ
عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تهديد الكفّار المؤذين للمؤمنين والمؤمنات بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ أو محّنوهم بتعذيبهم وإيذائهم. وعن ابن عباس : أحرقوهم بالنار (١)﴿ثُمَ﴾ بعد ذلك لم يؤمنوا و﴿لَمْ يَتُوبُوا﴾ من كفرهم وعصيانهم إلى الله ﴿فَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابُ جَهَنَّمَ﴾ جزاء على كفرهم وعصيانهم ﴿وَلَهُمْ﴾ مضافا إلى ذلك ﴿عَذابُ الْحَرِيقِ﴾ والشديد على إيذائهم للمؤمنين ، أو زائدا على تعذيب غيرهم.
وقيل : إنّ المراد من عذاب الحريق تعذيبهم في الدنيا بالنار (٢) .
روي أنّ الجبّارون لمّا ألقوا المؤمنين في النار وقعدوا حولها ارتفعت النار فوقهم أربعين ذراعا ، فوقعت عليهم وأحرقتهم ، ونجا المؤمنون سالمين (٣) .
وقيل : إنّ الله قبض أرواح المؤمنين قبل أن تمسّهم النار (٤) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ
الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ
الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١١) و (١٦)﴾
ثمّ أردف سبحانه تهديد الكفّار بوعد المؤمنين عموما بالثواب العظيم بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ سواء كانوا من المفتونين أو غيرهم ﴿لَهُمْ﴾ جزاء على إيمانهم وأعمالهم ﴿جَنَّاتٌ﴾ ذات أشجار كثيرة وقصور عالية ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة و﴿ذلِكَ﴾ الثواب العظيم هو ﴿الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ والنّيل بأعلى المقاصد الذي تصغر عندها الدنيا وما فيها.
ثمّ أكّد سبحانه وعيده الكفّار بقوله مخاطبا للنبي صلىاللهعليهوآله : ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ﴾ يا محمد ، وأخذه بالقوّة ﴿لَشَدِيدٌ﴾ لا يطيقه (٥) أحد ، وإنّما أمهلهم للحكمة البالغة لا للإهمال ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ﴾ الخلق في الدنيا
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ١٢١.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٧١٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٨٩.
(٣و٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٨٩.
(٥) في النسخة : لا يطيق له.