﴿وَيُعِيدُ﴾ هم ، ويخلقهم ثانيا في الآخرة ، ليجازيهم على أعمالهم. وعن ابن عباس : أنّ أهل جهنّم تأكلهم النار حتى يصيروا فحما ثمّ يعيدهم خلقا جديدا ، وذلك هو المراد من قوله : ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾(١) .
ثمّ أكّد سبحانه وعده للمؤمنين بقوله : ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ للذنوب ﴿الْوَدُودُ﴾ بالمؤمنين ، والمحبّ لهم ، وهو ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ وصاحب سرير الملك والسلطنة ، أو خالقه ﴿الْمَجِيدُ﴾ والعظيم في ذاته ، والشريف في أفعاله ، وهو ﴿فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ لا يزاحمه شيء في إنفاذ إرادته ، ولا يمنعه مانع من إتمام مراده ، يفعل ما يشاء كيف يشاء ، وذكر صيغة المبالغة لكثرة أفعاله من الإحياء والإماتة والإغناء والافقار والإعزاز والإذلال وغيرها.
﴿هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ
* وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (١٧ و) (٢٢)﴾
ثمّ استشهد سبحانه على شدّة بطشه بقصة أخذه الامم المكذّبة للرسل بقوله : ﴿هَلْ أَتاكَ﴾ يا محمد ، وهل سمعت منّا ﴿حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾ الكافرة وخبر الجماعات المكذّبة للرسل ؟ أعني ﴿فِرْعَوْنَ وَ﴾ قومه ﴿ثَمُودَ﴾ قوم صالح ، كيف فعلوا ، وكيف فعلنا بهم وأهلكناهم بعذاب شديد ؟ فذكّر قومك بما نزل عليهم من العذاب لعلّهم يتذكّرون ، وأنّى لهم الذكرى ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قومك وأصرّوا على العناد والطّغيان ليسوا مثل الامم السابقة ، بل هم أشدّ كفرا وعنادا ، لأنّهم مستقرون ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾ عظيم لرسالتك وكتابك بحيث لا ينصرفون عنه مع دلالة الأدلّة الباهرة على صحّتهما.
ثمّ بالغ سبحانه في تسليته نبيه صلىاللهعليهوآله على تكذيب قومه بقوله : ﴿وَاللهُ﴾ القادر القاهر ﴿مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ بهم لا يقدرون على الفرار من أخذه وعذابه ، فلا تتألّم من تكذيبهم إيّاك ، فإنّي انتقم منهم أشدّ الانتقام ، وليس تكذيبهم لكتابك موهنا له ، ولا نسبته إلى الشعر والسحر والكهانة مسقطا له عن الأنظار ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ وكتاب شريف عالي القدر في الكتب السماوية الإلهية ، مثبوت ومضبوط ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ عند الله مصون من مساس الشياطين وتحريف المبطلين.
عن ابن عباس : أنّ الله خلق لوحا محفوظا من درّة بيضاء ، دفّتاه ياقوتة حمراء ، طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق والمغرب ، ينظر الله فيه كلّ يوم ثلاثمائة وستين مرة ، يحيي ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، وفي صدر اللّوح : لا إله إلّا الله وحده ، ودينه الاسلام ، ومحمد
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ١٢٢.