قيل : إنّ الرياح في الدلالة على كمال القدرة أتمّ لكونها أسبابا للسّحب ، والسّحب أتمّ دلالة عليه من السفن لكونها أغرب ماهية وأكثر نفعا ، وهذه الثلاثة لكونها من المحسوسات غير القابلة للانكار أتمّ دلالة من الملائكة ، لإمكان إنكار المنكر وجودهم ، ولذا صدّر الثلاثة بالفاء (١) .
وقيل : إنّ الترتيب المترقّي من الأضعف إلى الأقوى ، فانّ السّحب أقوى دلالة على كمال القدرة من الرياح ، لتألّفها من الأجزاء المائية والهوائية. وقليل من الأجزاء الأرضية والنارية ، وفيها غرائب من الآثار العلوية ، والسّفن أقوى دلالة من السّحب ، لتألفها [ من ] جميع العناصر على ما فيها من الصنعة البديعة والامور العجيبة من حمل الأثقال مع خفّة الحامل ، وقطعها المسافة البعيدة في زمان يسير بهبوب الرياح العاصفة ، والأدلّ من الجميع إقداره الروحانيات مع لطافتهم على التصرّف في الجسمانيات مع كثافته ، ولا اعتبار بانكار من لا عبرة به (٢) .
وقيل : إنّ وجه الترتيب كون حركة السّحاب والسفن من آثار الرياح ، وبعد الحلف بما يكون سببا للرزق ذكر مقسّمات الأرزاق (٣) .
وقيل : إنّ المراد بالذاريات الكواكب السريعة في السير من ذرا يذرو ، بمعنى أسرع. وقيل : إنّ المراد الملائكة. وقيل : إنّ التقدير : وربّ الذاريات (٤) .
﴿إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ * وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ
لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٥) و (٩)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿إِنَّما تُوعَدُونَ﴾ أيّها المشركون من البعث والحشر والحساب ﴿لَصادِقٌ﴾ ومطابق للواقع ، لا مجال للشكّ فيه. قيل : إنّ الصادق بمعنى ذو صدق (٥) . وقيل : إنّ في وصف المصدر بما يوصف به الفاعل غاية المبالغة (٦) . ﴿وَإِنَّ الدِّينَ﴾ وجزاء الأعمال في الآخرة ﴿لَواقِعٌ﴾ وكائن لا محالة.
ثمّ حكى سبحانه اختلاف طريقة المشركين في تكذيب الرسول والمعاد والقرآن ، مؤكّدا بالحلف بقوله : ﴿وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ﴾ والطرائق المختلفة للكواكب ، أو ذات الأشكال المختلفة بسبب النجوم.
وعن ابن عباس : ذات الخلق الحسن المستوي (٧) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ١٤٨.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ١٤٨.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ١٤٨.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٥.
(٥و٦) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٦.
(٧) تفسير أبي السعود ٨ : ١٣٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٥٠.