وعن ابن عباس : كان النبي صلىاللهعليهوآله إذا قرأ سورة ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال : « سبحان ربّي الأعلى » (١) .
وروى بعض العامة عن عقبة بن عامر : أنّه لمّا نزل قوله تعالى : ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال [ رسول الله صلىاللهعليهوآله ] : اجعلوها في سجودكم (٢) .
وقالوا : روي أنّه عليهالسلام كان يقول في سجوده : « سبحان ربّي الأعلى » (٣) .
وقيل : إنّ المراد بالتسبيح الصلاة ، والمعنى : صلّ باسم ربّك (٤) ، والظاهر هو الوجه الأول الذي ذكرنا.
﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى * فَجَعَلَهُ
غُثاءً أَحْوى (٢) و (٥)﴾
ثمّ وصف سبحانه ذاته المقدّسة بصفات دالّة على كمال قدرته وحكمته المقتضي لاستحقاق التسبيح بقوله : ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ الانسان أولا من تراب ، ثمّ من نطفة ﴿فَسَوَّى﴾ خلقه بأن عدل قامته ، أو جعله بحيث يمكنه أن يأتى بجميع الأفعال التي لا يقدر عليها غيره من الموجودات ، ومنها العبادات.
وقيل : يعني خلق الميزان فسوّى خلقه بأن جعل له أعضاء أو حواسا يتوقّف تعيّشه عليها (٥) ، أو خلق كلّ شيء فسوّى خلقه بأن أحكمه وأتقنه (٦) .
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ كلّ إنسان ، أو كلّ شيء بقدر مخصوص يناسبه من الجثّة والعظم والصغر واللّون والشّكل وغيرها من الصفات ومدّة البقاء والسعادة والشقاوة ﴿فَهَدى﴾ الانسان بإعطائه العقل وإرسال الرسل إلى خيره وشرّه ، أو الحيوان إلى ما به من التناسل وتدبير التعيّش ، وجلب ما فيه صلاحه ودفع ما فيه ضرره ، أو جميع الموجودات إلى ما به تكامله بجعل القوى المصلحة فيه ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ﴾ وأنبت من الأرض ﴿الْمَرْعى﴾ والكلأ الاخضر ، كما عن ابن عباس (٧) ﴿فَجَعَلَهُ﴾ بعد طراوته وخضرته ﴿غُثاءً أَحْوى﴾ ويابسا أسود بسبب برودة الهواء ولصوق المكدّرات كالغبار أو ما يحمله السيل من الأجزاء الكدرة.
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى * وَنُيَسِّرُكَ
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٧١٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٣١٦.
(٢و٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٣٧.
(٤) تفسير الرازي ٣١ : ١٣٥.
(٥) تفسير الصافي ٥ : ٣١٦ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٥٨٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٠٤.
(٦) تفسير أبي السعود ٩ : ١٤٣ ، جوامع الجامع : ٥٣٨.
(٧) تفسير الرازي ٣١ : ١٤٠.