في تفسير سورة الغاشية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ * عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى
ناراً حامِيَةً * تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ
وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (١) و (٧)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الأعلى المختتمة بذمّ الكفّار بإيثار الدنيا على الآخرة مع كون الآخرة خير وأبقى من الدنيا ، نظمت سورة الغاشية المتضمّنة لبيان أحوال الآخرة ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذكر أهوال القيامة بقوله : ﴿هَلْ أَتاكَ﴾ يا محمد ﴿حَدِيثُ الْغاشِيَةِ﴾ وخبر القيامة التي تكون داهية تغشي الناس بشدائدها وتغطّيهم وتحيط بهم أهوالها ، فانّه من عجائب الأخبار وبدائع الآثار التي حقّها أن يبادر إلى سماعها العقلاء ، ويشتاق إلى تلقيّها الأزكياء (١) وفي رواية : « الذين يخشون الإمام » (٢) .
ثمّ كأنه قيل : ما خبرها وكيف هي ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت أصحابها ﴿خاشِعَةٌ﴾ ذليلة قد عراهم الخزي والهوان ؛ لأنّهم تكبّروا عن طاعة الله ورسوله ﴿عامِلَةٌ﴾ ومتحمّلة للمشاقّ ، كالعبور على الصراط ، وجرّ السلاسل والأغلال ﴿ناصِبَةٌ﴾ وتعبة لطول الوقوف عراة حفاة جياعا عطاشا ، أو لثقل السلاسل التي ذرعها سبعون ذراعا.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « كلّ ناصب - وإن تعبّد واجتهد - منسوب إلى هذه الآية ﴿عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « لا يبالى الناصب صلّى أم زنا ، وهذه الآية نزلت فيهم : ﴿عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ » (٤) .
أقول : هذه الروايات تأويل لا تنزيل.
__________________
(١) في النسخة : سماعة العقلاء ، ويشتاق إلى تلقيّة الأزكياء.
(٢) الكافي ٨ : ١٧٩ / ٢٠١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٢١.
(٣) الكافي ٨ : ٢١٣ / ٢٥٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٢١.
(٤) الكافي ٨ : ١٦٠ / ١٦٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٢١.