﴿إِنَّكُمْ﴾ أيّها المشركون ﴿لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ ومتناقض في شأن الرسول ، فتارة تقولون : إنّه ساحر ، وتارة تقولون : إنّه كاهن ، وتارة تقولون : إنّه شاعر ، وتارة تقولون : إنّه مجنون ، ومرّة تقولون : إنّه مجادل ونحن عاجزون من الجدل ، وسادسة تقولون : إنّه أمين ، وسابعة تقولون : إنّه كاذب.
وفي شأن القرآن تارة تقولون : إنّه سحر ، وتارة تقولون : إنّه شعر ، وتارة تقولون : إنّه كهانة ، وتارة تقولون : إنّه أساطير.
وفي شأن المعاد تارة تقولون : إنّه متيقّن والأصنام شفعاؤنا عند الله ، وتارة تقولون : إنّه مظنون ، وتارة تقولون : إنّه مشكوك ، وتارة تقولون : إنّه مقطوع العدم.
وقيل : إنّ المراد أنّكم غير ثابتين على قول ، ومن يكون كذلك لا يكون متيقنا في اعتقاده (١) .
ثمّ بالغ سبحانه في ذمّهم بقوله : ﴿يُؤْفَكُ﴾ عن الرسول ، أو عن القرآن ، أو عن القول بالحشر ، ويصرف ﴿عَنْهُ﴾ مع كونه حقا يجب الايمان به ﴿مَنْ أُفِكَ﴾ وصرف عن كلّ خير وسعادة ، إذا لا صرف أفظع وأشنع منه.
وقيل : إنّه مدح للمؤمنين ، فإنّهم يصرفون عن القول المختلف [ ويصرفون ] من صرف عن كلّ باطل ، ويرشدون إلى القول المستوي (٢) ، وفيه ما لا يخفى من الضّعف.
﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ * يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ *
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تَسْتَعْجِلُونَ (١٠) و (١٤)﴾
ثمّ أظهر سبحانه الغضب على منكري رسالة الرسول والقرآن بالدعاء عليهم بقوله : ﴿قُتِلَ﴾ ولعن ﴿الْخَرَّاصُونَ﴾ والمعتمدون على الحدس والتخمين في دينهم ، والمتّبعون فيه لهوى أنفسهم ، مع أنّ الدين لا بدّ فيه من اليقين والاعتماد على البراهين.
ثمّ لمّا كانت توصيفهم بالخرص غير صريح في الذمّ ، وصفهم بما فيه التصريح به بقوله : ﴿الَّذِينَ هُمْ﴾ كائنون ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾ وشدّة جهل وضلال و﴿ساهُونَ﴾ وغافلون عمّا يراد بهم ، بل عن أنفسهم ، أو عمّا امروا به من قبل ربّهم.
ثمّ حكى سبحانه ما يدلّ على شدّة جهالتهم وبغضهم للحقّ بقوله : ﴿يَسْئَلُونَ﴾ أولئك المشركون عنك استهزاء بقولك : ( انّ الدين لواقع ) ويقولون : يا محمد ﴿أَيَّانَ﴾ ومتى يقع ﴿يَوْمُ الدِّينِ﴾ ووقت
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٨.