والسكون والبروك والنهوض ، حيث يستعملها في ذلك كيف يشاء ويقتادها بقطارها كلّ صغير وكبير ، كما قال أبو السعود (١) .
وتبول من خلفها ، لأنّ قائدها أمامها ، فلا يترشّش عليه بولها ، وعنقها سلّم إليها ، وتتأثر من المودّة والغرام وتسكر منهما إلى حيث تنقطع من الأكل والشرب زمانا ممتدّا ، وتتأثّر من الأصوات الحسنة والحداء ، وتصير من كمال التأثّر إلى حيث تهلك نفسها من سرعة الجري ، ويجري الدمع من عينها عشقا وغراما ، هذا مع مالها من المنافع من جهة وبرها ولحمها ولبنها وبولها وروثها ، والجمال الذي يكون فيها ، ولمّا كان العرب أعرف من سائر الناس بها ، أمرهم بالتفكّر فيها ، والاستدلال بعجيب خلقتها على صانعها وحكمته الموجبة للبعث.
قيل : لمّا كانت مسافرة الأعراب على الإبل منفردين (٢) وكان مجال التفكّر في الخلوة التي لا شاغل فيها ، وهي لهم على ظهر الإبل ، وهم حينئذ لا يرون إلّا الإبل والسماء والأرض والجبال ، أمرهم أولا بالتفكّر في خلق الإبل (٣) ، ثمّ في السماء بقوله : ﴿وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ مع عظمها رفعا بعيدا بلا عمد ﴿وَإِلَى الْجِبالِ﴾ العظام ﴿كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ على الأرض نصبا ثابتا لا تسيل ولا تزول أوتادا لها ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ﴾ البسيطة ﴿كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ وبسطت كالأديم للضرب فيها والتقلّب عليها ، فمن تفكّر في هذه الأشياء علم بكمال قدرة خالقها وحكمته وتوحيده ، وتيقّن بوقوع ما وعده من البعث الذي هو موافق للحكمة البالغة.
﴿فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ
اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢١) و (٢٦)﴾
فلمّا شرحنا الدلائل القاطعة على التوحيد والبعث ﴿فَذَكِّرْ﴾ يا محمد قومك ، وأمرهم بالنظر والتفكّر والايمان ، وحذّرهم عن تركها ، وليس عليك أن يتذكّروا أو لا يتفكّروا ﴿إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ ومبعوث إلى الناس للتبليغ والتذكير ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ﴾ من قبل ربّك ﴿بِمُصَيْطِرٍ﴾ ومسلّط حتى تقتلهم أو تكرههم على النظر والايمان ﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى﴾ وأعرض عنك وعن تذكارك ﴿وَكَفَرَ﴾ وأصرّ على عنادك.
قيل : إنّ التقدير فذكّر قومك إلّا من تولّى وكفر منهم فانّه ليس عليك تذكيره لعدم الفائدة فيه(٤).
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٩ : ١٥٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤١٦.
(٢) في النسخة : منفردا.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٤١٧.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٤١٨.