﴿وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ﴾ ويمضي وينقضي. وقيل : يعني إذا جاء وأقبل (١) ، وعن القمي : هو ليلة جمع (٢) .
ثمّ أظهر سبحانه فخامة هذه الأشياء التي أقسم بها بقوله : ﴿هَلْ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من الأشياء الجليلة الحقيقة بالإعظام ﴿قَسَمٌ﴾ معتدّ به موجب للاعتماد عليه ﴿لِذِي حِجْرٍ﴾ وصاحب عقل منوّر وفكر صائب وإدراك قويّ ، والمقسم عليه مقدّر معلوم وهو : ليعذّبن الكفّار.
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي
الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (٦) و (١٠)﴾
ثمّ استشهد سبحانه بما فعل بالامم المكذّبة بقوله : ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يا محمد حينما كنت في عالم الأشباح مطّلعا على الوقائع في العالم ، أو المعنى : ألم تعلم بالوحي ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ﴾ قوم هود ، وبأيّ عذاب شديد عذّبهم ؟ أعني من عاد ؟ ﴿إِرَمَ﴾ قيل : إنّه اسم لعاد الاولى ، سمّوا باسم جدّهم ، وهو إرم بن سام بن نوح (٣) . والتقدير : سبط إرم ، أو أهل إرم ، على ما قيل (٤) ، من أنّ إرم اسم بلدتهم أو أرضهم التي كانوا يسكنونها ، وهي على ما قيل بين عمان وحضر موت (٥) ، وعلى أي تقدير كانوا قبيلة.
﴿ذاتِ الْعِمادِ﴾ وقدود طوال تشبيها لقاماتهم بالأعمدة والأساطين ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ﴾ نظير تلك القبيلة و﴿مِثْلُها﴾ في القوّة وعظم الجسم وطول القامة ﴿فِي الْبِلادِ﴾ التي على وجه الأرض.
وقيل : إنّ الوصفين لمدينتهم التي بناها شدّاد بن عاد (٦) ، وقد وصفوها بأوصاف تقرع الأسماع. روي أنّ لعاد ابنين : شديد ، وشدّاد ، فملكا وقهرا ، ثمّ مات شديد ، وخلص الأمر لشدّاد ، فملك جميع الدنيا ، ودانت له ملوكها ، فسمع بذكر الجنّة فقال : أبني مثلها ، فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة ، وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة ، قصورها من الذهب والفضّة ، وأساطينها من الزّبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، فلمّا ثمّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلمّا كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا (٧) ، ثمّ غاب البلد عن أعين الناس جميعا.
﴿وَثَمُودَ﴾ وهم قوم صالح ﴿الَّذِينَ جابُوا﴾ وقطعوا ﴿الصَّخْرَ﴾ والحجر الشديد الصلابة بقوتهم
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ١٦٤.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٤١٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٢٤ ، وجمع : هو المزدلفة ، سمّي جمعا لاجتماع الناس فيه.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٢٢ و٤٢٣.
(٤- ٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٢٣.
(٧) تفسير الرازي ٣١ : ١٦٧ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٥٤.