السوط إلى السيف.
وقيل : لمّا كان الضرب بالسوط عند العرب أشدّ العذاب عبّروا عن العذاب بالسوط ، والتعبير عن إنزاله بالصبّ للإيذان بكثرته وتتابعه واستمراره (١) .
ثمّ بيّن سبحانه أنّه مراقب لأعمال عباده بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَبِالْمِرْصادِ﴾ وفي المكان الذي تترقّب فيه السائلة ليظفر بالجائي ولأخذ المقصّر بحيث لا يفوته أحد ، فيعاقب قومك على طغيانهم وعصيانهم كما عاقب غيرهم من الامم المكذّبة للرسل.
﴿فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذا مَا
ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ * كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا
تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٥) و (١٨)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان كونه مراقبا لأعمال العباد ومجازاتهم ، بيّن عدم اعتناء الانسان بذلك ، لانهماكه بلذائذ الدنيا بقوله : ﴿فَأَمَّا الْإِنْسانُ﴾ فهو غافل عن ذلك ولذا ﴿إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ﴾ وامتحنه ﴿فَأَكْرَمَهُ﴾ بالجاه والثروة ﴿وَنَعَّمَهُ﴾ ووسّع عليه في رزقه ، ليظهر أنّه شاكر أو كافر ﴿فَيَقُولُ﴾ مفتخرا : ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ وفضّلني على غيري بالمال والجاه ، ويغترّ بذلك ، ولا يخطر بباله أنّه امتحان وابتلاء ﴿وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ﴾ بالفقر ﴿فَقَدَرَ﴾ وضيق ﴿عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ ليظهر أنّه صابر أو جزوع ﴿فَيَقُولُ﴾ تضجّرا : ﴿رَبِّي أَهانَنِ﴾ وأذلني بالفقر ، ولا يخطر بباله أنّه امتحان.
وعلى أيّ تقدير ليس له توجّه إلى الآخرة ، ولا يلتفت إلى أنّ إقبال الدنيا ليس إكراما من الله ، وإدبارها ليس إهانة من الله ، لذا ردع الانسان عن توهّماته بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس ما يقول في الحالين حقّا وصوابا.
ثمّ التفت سبحانه إلى خطاب الكفّار تشديدا لتقريعهم ببيان سوء أفعالهم بعد بيان سوء أقوالهم بقوله : ﴿بَلْ لا تُكْرِمُونَ﴾ أيّها الأشقياء ﴿الْيَتِيمَ﴾ الذي يجب إكرامه بالرعاية وإعطاء النفقة ﴿وَلا تَحَاضُّونَ﴾ ولا تحرّضون غيركم ﴿عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ﴾ لشدّة بخلكم فضلا عن أنّ تطعموه من أموالكم.
قيل : كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر امية بن خلف ، فكان يدفعه عن حقّه ، فنزلت الآيات (٢) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٢٦.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٧١ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٢٩.