في تفسير سورة البلد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ * وَوالِدٍ وَما وَلَدَ(١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الفجر المتضمّنة للّوم على الحرص على من جمع مال الدنيا وترك الاحسان إلى اليتيم والمسكين ، اردفت سورة البلد المتضمّنة للّوم عليهما ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأ بالحلف بمكّة المشرّفة بقوله : ﴿لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ﴾ الحرام. قيل : إنّ حرف لا زائدة جيء بها لتأكيد القسم ، فانّ العرب تقول : لا والله ما فعلت ، أو لا والله لأفعلن (١) . ويحتمل أن تكون ناهية ، والمعنى : لا تتوهّموا أن يكون الواقع خلاف ما أقول ، اقسم بهذا البلد المعظّم ﴿وَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿حِلٌ﴾ ومقيم ﴿بِهذَا الْبَلَدِ﴾ ونازل فيه ، فزيد بهذا شرفه.
وقيل : يعني وأنت مع نهاية حرمتك حلال الدم والعرض عند المشركين بهذا البلد ولا يحلّ عندهم قتل شيء من الطيور والوحوش والحشرات (٢) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « كانت قريش تعظّم البلد وتستحلّ محمدا فيه ، فقال الله : ﴿لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ﴾ يريد أنّهم استحلّوك فيه ، فكذّبوك وشتموك ، وكان لا يأخذ الرجل منهم قاتل أبيه ، ويتقلّدون لحاء شجرة الحرم فيأمنون بتقليدهم إيّاه ، فاستحلوا من رسول الله صلىاللهعليهوآله ما لم يستحلّوا من غيره ، فعاب الله عليهم » (٣) .
﴿وَوالِدٍ﴾ عظيم الشأن ، قيل : إنّ المراد إبراهيم (٤)﴿وَما وَلَدَ﴾ من إسماعيل وإسحاق ويعقوب وذريّتهما. وقيل : محمد وذريّته (٥) ، وإيثار كلمة ( ما ) على ( من ) لمعنى التعجّب ممّا أعطاهم الله من الكمال ، كذا قيل (٦) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٣٣.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٧٩.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٧٤٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٢٩.
(٤) تفسير أبي السعود ٩ : ١٦٠.
(٥) جوامع الجامع : ٥٤٢.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٣٤.