عداوة محمد ﴿مالاً لُبَداً﴾ وكثيرا.
عن الصادق عليهالسلام : « قال عمرو بن عبدودّ حين عرض عليه علي بن أبي طالب عليهالسلام الإسلام يوم الخندق : فأين ما أنفقت فيكم من مال لبد ؟ وكان أنفق مالا في الصدّ عن سبيل الله ، فقتله علي عليهالسلام » (١) .
ثمّ وبّخه سبحانه على إنفاقه وهدّده بقوله : ﴿أَيَحْسَبُ﴾ هذا الكافر المباهي بإنفاقه ﴿أَنْ لَمْ يَرَهُ﴾ حين إنفاقه الشنيع ﴿أَحَدٌ﴾ بلى إنّ الله رآه وساءله يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه. وقيل : إنّه كان كاذبا لم ينفق شيئا ، فقال الله تعالى : أيظنّ هذا الكافر أنّ الله ما رأى ذلك منه ، فعل أو لم يفعل ، أنفق أم لم ينفق. بلى رآه وعلم منه خلاف ما قال (٢) .
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ
الْعَقَبَةَ * وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *
يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (٨) و (١٦)﴾
ثمّ لمّا حكى سبحانه إنكار الكافر قدرة الله عليه ورؤيته إياه ، أقام الدليل عليها بقوله : ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ﴾ بقدرتنا ﴿عَيْنَيْنِ﴾ يبصر بهما ويرى ، فكيف يمكن أن يكون معطي الرؤية فاقدا لها ولا يراه؟ ﴿وَ﴾ ألم نجعل له ﴿لِساناً وَشَفَتَيْنِ﴾ ينطق بها ، فكيف ينبغي أن يتكلّم بها الكلمات الشنيعة غير المرضية لمعطيها ؟ ﴿وَهَدَيْناهُ﴾ بعد اتمام النعمة عليه بتكميل خلقه وقواه ﴿النَّجْدَيْنِ﴾ والطريقين الواضحين إلى خيره وشرّه.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « سبل الخير ، وسبل الشرّ » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « نجد الخير والشّر » (٤) .
﴿فَلَا اقْتَحَمَ﴾ وما دخل شكرا لتلك النّعم الجليلة ﴿الْعَقَبَةَ﴾ والأعمال الصالحة التي هي الطريق إلى كلّ خير ، وإنّما أطلق عليها العقبة - التي هي الطريق الصعب السلوك في الجبل - لصعوبة سلوكها.
ثمّ عظّم العقبة بقوله : ﴿وَما أَدْراكَ﴾ وأي شيء أعلمك يا محمد ﴿ما﴾ تلك ﴿الْعَقَبَةُ ؟﴾ فانّ المراد بها ليس العقبة المعروفة ، إنّما هي ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ وإعتاق المملوك ، والدخول فيها الاقدام عليه ﴿أَوْ إِطْعامٌ﴾ وإشباع من المأكول ﴿فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ وفي زمان غلاء وقحط ، فانّ الصرف في هذا الزمان أثقل على النفس وأوجب للأجر ﴿يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ﴾ وصاحب رحم فاقد إطعامه أفضل
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٤٢٢ ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، تفسير الصافي ٥ : ٣٣٠.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٨٣.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٧٤٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٣١.
(٤) الكافي ١ : ١٢٤ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٣١.