في تفسير سورة الشمس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحاها *وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها * وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها * وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشاها * وَالسَّماءِ وَما بَناها * وَالْأَرْضِ وَما طَحاها * وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها *
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (١) و (٨)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة البلد المتضمّنة لمنّته سبحانه على الانسان بخلقه في كبد واستقامة ، وبهدايته إلى الخير والشرّ ، وترغيبه إلى الايمان والأمر بالمعروف ، وتهديد الكفّار المكذّبين بعذاب الآخرة ، نظمت سورة الشمس المتضمّنة لمنته على الانسان بتعديل خلقه وإلهامه فجوره وتقواه وترغيبه إلى تزكية نفسه المتوقفة على الايمان والعمل ، وتهديد الكفار ، فافتتحها بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالقسم بقوله : ﴿وَالشَّمْسِ﴾ التي فيها فضل عظيم ومنافع عظيمة لموجودات عالم الملك ﴿وَضُحاها﴾ وارتفاع نورها واشتداد ضوؤها ، وهو قريب من نصف النهار ﴿وَالْقَمَرِ﴾ الذي هو بعد الشمس أنفع الكواكب ﴿إِذا﴾ تبع الشمس وحين ﴿تَلاها﴾ ويطلع بعد غروبها.
عن ابن عباس : هو في النصف الأول من الشهر (١) بعد ما سمّي قمرا. وقيل : يعني إذا تبعها وصار مثلها في الاستداره وكمال النور ، وهي في الليالي البيض (٢) .
﴿وَالنَّهارِ إِذا﴾ ظهر الشمس وحين ﴿جَلَّاها﴾ قيل : إن الضمير راجع إلى الظّلمة (٣) وتجليتها إذهابها. وقيل : إلى الدنيا ، أو إلى الأرض ، وإن لم يسبق لهما ذكر (٤) لمعلوميتها ، وتجليتهما إنارتهما (٥).
﴿وَاللَّيْلِ إِذا﴾ يغطّي الشمس و﴿يَغْشاها﴾ ويذهب نورها ، فكأنّ الليل بظلمته (٦) صار سببا لغروب الشمس وزوال ضوئها ، ولذا حسن القول بأنّ النهار يجلّيها ﴿وَالسَّماءِ﴾ المظلّ على الأرض ﴿وَما
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٨٩.
(٣و٤) تفسير الرازي ٣١ : ١٩٠.
(٥) في النسخة : لمعلوميتها ، وتجليتها إنارتها.
(٦) في النسخة : تظلمته.