في تفسير سورة الحجرات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الفتح المبتدئة ببيان فتح مكّة وألطاف الله على النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾(١) والمختتمة ببيان علّو مقامه ، وبيان فضائل أصحابه ، وكونهم رحماء بينهم ، اردفت بسورة الحجرات المبتدئة بايجاب حفظ احترام النبي صلىاللهعليهوآله وتعظيمه ، وتعليم أدب حضوره ، وبيان وظيفة المؤمنين وتعليم كيفية سلوك بعضهم مع بعض ، ووجوب الاصلاح بينهم إذا تخاصموا وتنازعوا ، وغير ذلك من المطالب المناسبة لما في السورة السابقة ، فابتدأها بذكر الأسماء الحسنى حسب دأبه تعالى تعليما للعباد وتبرّكا بقوله تبارك وتعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ لمّا كانت السورة مشتملة على التكاليف الشاقة ، ابتدأها بالنداء شفاهية للمؤمنين بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ليزيل التعب والعناء بلذّة النداء ، ولينشّط قلوبهم بتوصيفهم بالايمان ، وليبين أن امتثالها من لوازمه ، وأن الايمان باعث على المحافظة عليها ، رادع عن الإخلال بها.
ثمّ شرع سبحانه في بيان وظائف المؤمنين مع النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿لا تُقَدِّمُوا﴾ أنفسكم في المشي ، أو أمر من الامور ، ولا تقطعوه ﴿بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ وأمامهما ، وذكر ذاته المقدسة باسم الجلالة لتعظيم الرسول صلىاللهعليهوآله ، أو المراد بحضرتهما وفي منظرهما ، إلّا بعد أن يحكما به ويأذنا فيه ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ العظيم الذي أنتم بين يديه وفي منظره في جميع أقوالكم وأفعالكم ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائركم وأعمالكم ، فيجازيكم عليها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشرّ.
قيل : نزلت الآية في النهي عن الذبح يوم الأضحى قيل الصلاة ، فانّ ناسا ذبحوا قبل صلاة النبي صلىاللهعليهوآله (٢).
__________________
(١) الفتح : ٤٨ / ٢.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٦٢.