في تفسير سورة الليل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى * وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى * وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى (١) و (٤)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة ﴿وَالشَّمْسِ﴾ المتضمّنة لذكر الصنفين من الناس : صنف زكّى نفسه من الشرك والعصيان والاخلاق الرذيلة ، وصنف دسّ نفسه فيها ، وذكر أنّ الله ألهم فجورها وتقواها ، أردفها بسورة ﴿وَاللَّيْلِ﴾ المتضمّنة لذكر صنفين من الناس : صنف من الناس بذل ماله في طاعة الله واتّقى المعاصى وصدّق بتوحيد الله والدار الآخرة ، وصنف بخل بماله واشتغل بالمعاصي والشهوات وكذّب بتوحيد الله واليوم الآخر ، وما لكلّ منهما من الدرجات والدركات ، وإنّ الله هو الهادي إلى كلّ خير وسعادة ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالحلف بعجائب خلقه وبدائع صفنعه بقوله : ﴿وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى﴾ ويغطّي الشمس ، أو يستر النهار ، أو سائر الموجودات غير المضيئة بظلمته ﴿وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى﴾ وحين انكشف بطلوع الشمس وظهر بزوال ظلمة الليل ، ومن المعلوم أنّ في الإقسام بهما دلالة على شرفهما وكثرة نفعهما وقيام نظام العالم بهما وبتعاقبهما.
وعن الباقر عليهالسلام في تأويل الآيتين قال : « الليل في هذا الموضع الثاني ، غشي أمير المؤمنين عليهالسلام في دولته التي جرت له عليه ، وأمير المؤمنين عليهالسلام يصبر في دولتهم حتى تنقضي » ﴿وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى﴾ قال : « النهار هو القائم منّا أهل البيت ، إذا قام غلب دولة الباطل » قال : « والقرآن ضرب به الأمثال للناس ، وخاطب نبيّه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا » (١) .
﴿وَما خَلَقَ﴾ قيل : يعني والقادر العظيم الذي خلق بقدرته ﴿الذَّكَرَ وَالْأُنْثى﴾ من ماء واحد (٢) . وقيل : كلمة ﴿ما﴾ مصدرية ، والمعنى : وخلقه الذكر والانثى من جميع أصناف الحيوانات.
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٤٢٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٣٦.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٩٧.