في تفسير سورة الشرح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة ﴿وَالضُّحى﴾ المتضمّنة لبيان منّته تعالى على الرسول صلىاللهعليهوآله ، نظمت سورة الانشراح المتضمّنة أيضا لبيان بعض منّته الاخرى ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ شرع سبحانه في تعديد بعض نعمه على رسوله صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ ولم نوسّع ﴿لَكَ﴾ يا محمد ﴿صَدْرَكَ﴾ ولم نفسح قلبك للعلم والحكمة وتلقّي الوحي ؟ بلى وسّعناه بحيث صار خزانة علمي ، ومحيطا بعوالم الملك والملكوت ، ومطّلعا على أسرار السماوات والأرض.
روي أن جبرئيل أتاه وشقّ صدره ، وأخرج قلبه وغسله وأنقاه ، ثمّ ملأه علما وإيمانا ووضعه في صدره (١) .
أقول : لعلّ غسل قلبه وإنقاءه كناية عن تقويته لتحمّل ما فوق طاقة البشر من العلوم والأسرار والمعارف ، وتطهيره عن الميل إلى غير الله ، والتوجه إلى الراحة واللذائذ الدنيوية وقبول الأهواء الرائعة النفسانية. وقد أشار سبحانه إلى مرتبة منه بقوله : ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً﴾(٢) .
وقد سبق في تفسير الآية وأنّه عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قيل له : أينشرح الصدر ؟ قال : « نعم » قالوا : يا رسول الله ، وهل لذلك علامة يعرف بها ؟ قال : « نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والإعداد للموت قبل نزوله » (٣) .
أقول : فمن كان قلبه متوجّها إلى الله معرضا عن غيره لعلمه بحقارة الممكنات وعظمة خالقها ، صار منزّها عن كلّ دنس مطهّرا عن كلّ رجس ، منوّرا بأنوار المعارف ، ومملوءا بالعلم والحكمة.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ٢.
(٢) الأنعام : ٦ / ١٢٥.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ٣.