﴿فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٧) و (٨)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد تعديد نعمه الجليلة أمره بالشكر والاجتهاد في العبادة بقوله : ﴿فَإِذا فَرَغْتَ﴾ من تبليغ الرسالة ، أو من تنظيم ما هو من ضروريات معاشك ، أو من المهام الدنيوية ، أو من الجهاد ﴿فَانْصَبْ﴾ وأتعب نفسك في العبادة.
وقال جمع من المفسرين : يعني إذا فرغت من الصلاة المكتوبة ، فانصب نفسك في الدعاء (١) ﴿وَإِلى﴾ مسألة ﴿رَبِّكَ﴾ وحده ﴿فَارْغَبْ﴾ وبقلبك إليه فتوجّه.
عن الباقر والصادق عليهماالسلام : « فاذا فرغت من الصلاة المكتوبة ، فانصب إلى ربّك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس » (٣) .
وقيل : يعني إذا فرغت من عبادة عقبها باخرى وأوصل بعضها ببعض ، ولا تخلّ وقتا من أوقاتك فارغا لم تشغله بعبادة (٤)
وعن الباقر عليهالسلام ، قال : « فاذا فرغت من نبوّتك ، فانصب عليا عليهالسلام ، وإلى ربّك فارغب في ذلك » (٥) .
وعنه عليهالسلام في حديث قال : « يقول الله : ﴿فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ علمك وأعلن وصيّك ، وأعلمهم فضله علانية ، فقال : من كنت مولاه ... » قال : « وذلك حين أعلم بموته نعيت إليه نفسه»(٦) .
أقول : يحتمل أن تكون هذه الأخبار بيان مصداق العبادة التي وجب إتعاب النفس فيها بعد الفراغ من العبادة ، والمراد إذا فرغت من تبليغ الرسالة فأتعب نفسك فيما هو الأهمّ بعده ، وهو تعيين الخليفة ، فظهر أنّ صحّة مضمون الأخبار ليست موقوفة على قرابة ، فانصب بكسر الصاد من النّصب بالسكون فنسبة الزمخشري المتعصّب قراءة ( فانصب ) بالكسر وتفسيره بالأمر بنصب عليّ عليهالسلام للإمامة إلى بدع الشّيعة من الأغلاط.
ثمّ اعلم أنّ قوله - : بأنّه لو صحّ هذا للرافضي لصحّ للناصبي أن يقرأ هكذا ، ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض عليّ وعداوته (٧) - ممّا تضحك به الثكلى ؛ لأنّ جواز بغض عليّ عليهالسلام مخالف لضرورة الاسلام والأخبار المتواترة الدالة على وجوب حبّه وولايته ، نعوذ بالله من خبث الطينة ، وعمى القلب ، وسوء السريرة ، والضلال عن الحقّ.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ٧ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٧٣ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٦٠٧.
(٢و٣) مجمع البيان ١٠ : ٧٧٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٤٤.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ٧.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٢٩ ، وتفسير الصافي ٥ : ٣٤٤ ، عن الصادق عليهالسلام.
(٦) الكافي ١ : ٢٣٣ / ٣ ، وتفسير الصافي ٥ : ٣٤٤ ، عن الصادق عليهالسلام.
(٧) الكشاف ٤ : ٧٧٢.