خدمة مولاه ، ألم يعلم بأنّ الله يراه ويعاقبه عليه حتّى ينتهي بعلمه ذلك (١) .
ثمّ ذمّ سبحانه الكافر بقوله : ﴿كَلَّا﴾ لا يعلم بأنّ الله يرى وو الله ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ ولم يرتدع عمّا هو فيه من الطغيان ﴿لَنَسْفَعاً﴾ ولنأخذنّ البتة يوم القيامة ﴿بِالنَّاصِيَةِ﴾ وشعر مقدّم رأس هذا الكافر الطاغي بشدّة ونسحبنه بها إلى النار.
﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٦) و (١٨)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في ذمّه بالكذب في إنكار الآيات والرسالة والبعث ، وخطئه في إيذاء الرسول صلىاللهعليهوآله بتوصيف ناصيته بالكذب والخطأ ، بقوله : ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ فإنّ اللعين بإصراره على الكذب والخطأ صار بحيث يظهر الكذب والخطأ من ناصيته وشعر مقدّم رأسه ، وفي الجرّ بالناصية غاية الإذلال والإهانة.
قيل : إنّ المراد من قبض ناصيته قبضها في الدنيا إن عاد إلى النهي عن الصلاة ، فعاد إلى النهي(٢) .
روي أنّه لعنه الله مرّ برسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يصلّي فقال : ألم أنهك ، فأغلظ رسول الله صلىاللهعليهوآله في جوابه ، فقال : أتهدّدني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا ؟ ! يريد كثرة من يعينه ، فنزلت (٣) ﴿فَلْيَدْعُ نادِيَهُ﴾ وأهل مجلسه ليعينوه ﴿سَنَدْعُ﴾ في مقابل أعوانه ﴿الزَّبانِيَةَ﴾ وملائكة العذاب ، فلمّا عاد إلى النهي مكّن الله المسلمين من ناصيته يوم بدر فجرّوه على وجهه.
روي أنّه لمّا نزلت سورة الرحمن قال صلىاللهعليهوآله : « من يقرأها على رؤساء قريش ؟ » فتثاقلوا ، فقام ابن مسعود رضى الله عنه فقال : أنا يا رسول الله ، فأجلسه ، ثمّ قال ثانيا : « من يقرأها عليهم ؟ » فلم يقم إلّا ابن مسعود ، ثمّ قال ثالثا فقال ابن مسعود : أنا ، فأذن له ، وكان صلىاللهعليهوآله يتّقي عليه ، لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثّته ، ثمّ إنّه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة ، فافتتح قراءة السورة ، فقام أبو جهل فلطمه فشقّ اذنه وأدماها ، فانصرف وعينه تدمع ، فلمّا رآه صلىاللهعليهوآله رقّ قلبه وأطرق رأسه مغموما ، فاذا جبرئيل جاء ضاحكا مستبشرا ، فقال : « يا جبرئيل تضحك ويبكي ابن مسعود ! » فقال : سيعلم. فلمّا ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في الجهاد ، فقال صلىاللهعليهوآله له : « خذ رمحك والتمس في الجرحى من كان له رمق فاقتله ، فانّك تنال ثواب المجاهدين » فأخذ يطالع القتلى ، فاذا أبو جهل مصروع يخور ، فخاف أن يكون به قوة فيؤذيه ، فوضع الرمح في منحره من بعيد فطعنه. ولعلّ هذا
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٢.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٧٦.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٥ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٨٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٥٠.