[ معنى ] قوله : ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾(١) على رواية ابن عباس أنّه نزل فيه ، ثمّ لمّا عرف عجزه لم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه ، فارتقى عليه بحيلة ، فلمّا رآه أبو جهل قال له : يا رويعي الغنم ، لقد ارتقيت مرتقا صعبا. فقال ابن مسعود : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فقال له أبو جهل : أبلغ صاحبك أنّه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي.
روي أنّه صلىاللهعليهوآله لمّا سمع ذلك قال : فرعوني أشدّ من فرعون موسى ، فانّه قال حين موته ﴿آمَنْتُ﴾(٢) وهو قد زاد عتوا.
ثمّ قال اللعين يابن مسعود ، اقطع رأسي بسيفي هذا ، فانّه أحد وأقطع. فلمّا قطع رأسه لم يقدر على حمله ، فشقّ اذنه ، وجعل الخيط فيها ، وجعل يجرّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وجبرئيل بين يديه يضحك ، ويقول : يا محمد ، اذن باذن [ لكن ] الرأس هنا مع الاذن مقطوع (٣) .
قيل : إن الناصية كناية عن الوجه (٤) ، ﴿لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ﴾ أي لنلطمنّ وجهه (٥) . وقيل : يعني لنسودنّ وجهه (٦) .
﴿كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)﴾
ثمّ لمّا قابل سبحانه دعوة الطاغي ناديه بدعوة الزبانية ، ردع نبيّه صلىاللهعليهوآله عن الخوف من الطاغي بقوله : ﴿كَلَّا﴾ لا يجترئ على أن يدعو ناديه ، ولئن دعاهم لن ينفعوه ، فهو أذلّ وأحقر من أن يقاومك ، ولذا ﴿لا تُطِعْهُ﴾ ولا تعتن بنهيه إياك عن الصلاة والسّجود لربّك ﴿وَاسْجُدْ﴾ وواضب على صلاتك وخضوعك لله ، ولا تكترث بالطاغي وأمثاله ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ إلى ربّك بالسجود والصلاة له ، وتقرّب إليه بعبادته.
في الحديث العامي : « أقرب ما يكون العبد من ربّه إذا سجد » (٧) فأكثروا من الدعاء في السجود.
وعن الرضا عليهالسلام : « أقرب ما يكون العبد من الله عزوجل وهو ساجد ، وذلك قوله تعالى : ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ » (٨) .
وقيل : إنّ خطاب ﴿اسْجُدْ﴾ مع النبي صلىاللهعليهوآله ، وخطاب ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ مع أبي جهل ، والمعنى : اسجد أيّها النبي ، ولا تعتن بنهي من ينهاك ، ليزداد غيظا ، واقترب أيّها الكافر وادن منه حتّى تبصر ما ينالك من
__________________
(١) القلم : ٦٨ / ١٦.
(٢) يونس : ١٠ / ٩٠.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٧٦.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٧٧.
(٥و٦) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٣.
(٧) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٦ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٨١.
(٨) الكافي ٣ : ٢٦٤ / ٣ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٧ / ١٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٥٠.