في تفسير سورة القدر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت السورة العلق المبدوءة بالأمر بقراءة القرآن العظيم ، نظمت بعدها سورة القدر المبدوءة بتعظيم القرآن الكريم ، وبيان زمان نزوله ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها ببيان عظمة القرآن بقوله : ﴿إِنَّا﴾ أثبتنا القرآن الحكيم في اللوح المحفوظ ثم ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ منه جملة ودفعة في البيت المعمور الذي هو أشرف بقاع السماوات ، كما في بعض رواياتنا (١) ، أو في بيت العزّة الذي يكون في السماء الدنيا ، كما في بعض روايات العامة (٢) ، وبعض روايات الخاصة (٣)﴿فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾. قيل : إنّ الله سبحانه بيّن أولا أنّه نزل في شهر رمضان بقوله : ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾(٤) ولم يبين أنّه نزل في الليل أو النهار. ثمّ بين أنّه نزل بالليل بقوله : ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾(٥) ولم يبيّن أيّها أىّ ليل ، ثمّ بيّن في هذه السورة أنّها ليلة القدر (٦) .
فلا شبهة أنّها تكون في شهر رمضان ، وإنّما الختلاف في أنّها كانت في ليلة واحدة ، لأنّ فضل نزول القرآن كان في ليلة واحدة ، وجلّ العلماء قائلون بانّها باقية في كلّ سنة ، ثمّ اختلفوا في أنّها أيّة ليلة.
قيل : إنّ الله تعالى أخفاها ولم يعيّنها ليرغب المؤمنون في إحياء جميع ليالى رمضان طلبا لدرك ثواب إحيائها (٧) ، والمشهور قائلون بتعيينها ، والأكثر على أنّها في أوتار العشر الاخر بقوله صلىاللهعليهوآله : « التمسوها في العشر الاخر (٨) من شهر رمضان ، فاطلبوها في كلّ وتر » (٩) .
وأكثر العامّة على أنّها الليلة السابعة والعشرون ، ونسبوه إلى ابن عباس (١٠) ، وأسندوه إلى اعتبارات
__________________
(١) الكافي ٢ : ٤٦٠ / ٦.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٧٩.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٧٨٦.
(٤) البقرة : ٢ / ١٨٥.
(٥) الدخان : ٤٤ / ٣.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٨٠.
(٧) تفسير الرازي ٣٢ : ٢٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٨١.
(٨) في تفسير روح البيان : الاواخر.
(٩) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٨١.
(١٠) تفسير الرازي ٣٢ : ٣٠ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٨١.