في تفسير سورة العاديات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْعادِياتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِياتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الزّلزال المتضمّنة لبعض أهوال القيامة ، وحشر الناس إلى الموقف ، وشهادة الأرض بأعمالهم ، نظمت سورة ﴿وَالْعادِياتِ﴾ المتضمّنة لبيان بعث الناس من القبور ، وشهادة الانسان على نفسه بالكفران ، وبيان علم الله تعالى بأعمال الناس من خير أو شرّ ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالقسم بخيل الغزاة والمجاهدين في سبيل الله حال عدوها بقوله : ﴿وَالْعادِياتِ﴾ من الخيل نحو الأعداء ، وهي تضبح وتتنفّس من شدّة العدو ﴿ضَبْحاً﴾ ونفسا له صوت ، ليس بصهيلق وحمحمة ، يسمع من أفواه الأفراس (١) وأجوافها. وقيل : إن العدو لمّا كان ملازما للضّبح (٢) ، كأنّه أراد بالعاديات الضابحات ، والمعنى ، والضابحات ضبحا شديدا ﴿فَالْمُورِياتِ﴾ والمخرجات للنار من الأحجار ﴿قَدْحاً﴾ وضربا بحوافرهنّ وسنابكهنّ الحجارة ، فانّ الإيراء من لوازم العدو الشديد في أرض ذات حجارة.
عن ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل ، فأورت منه النار ، مثل الزّند إذا قدح (٣) .
وقيل الإيراء بالقدح وحبك حوافر الخيل كناية عن تهيّج الحرب بين أصحاب الخيل وبين عدوّهم(٤).
وقيل : أريد من الموريات جماعة الغزاة (٥) يورون النار بالليل لحوائجهم وطعامهم. وقيل : الموريات أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة ، ونسب ذلك إلى ابن عباس (٦) .
__________________
(١) في النسخة : الفرس.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٩٦.
( ٣ - ٥ ) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٥.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٥.