عرفة إلى : مزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ، يعني إبل الحاج. قال ابن عباس : فرجعت من قولي إلى قول علي عليهالسلام (١) .
وعلى هذا ﴿فَالْمُورِياتِ قَدْحاً﴾ يعني أنّ الحوافر ترمي بالحجر من شدّة العدو ، فتضرب به حجرا آخر فتوري النار (٢) ، أو المراد إبراء الحاجّ النيران لحوائجهم بالمزدلفة (٣) . والمراد بالمغيرات صبحا المسرعات من المزدلفة إلى منى في صبح يوم النّحر (٤) . قالوا : الإغارة جاء بمعنى السرعة في السير ، وأثرن بالعدو نقعا وغبارا. وقيل : النّقع اسم للوادي الذي بين المزدلفة ومنى (٥) .
وقوله : ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً﴾ يعني توسّط بالعدو المزدلفة ، فانّ المزدلفة تسمّى جمعا لاجتماع الناس فيها ، والغرض من القسم بإبل الحاجّ ، أو بخيل الغزاة في سبيل الله ، إظهار شرفها المشعر بغاية كرامة راكبهما وفضلهم ، والترغيب في الجهاد والحجّ.
﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ *
أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (٦) و (١١)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ﴾ بالطبع والجبلّة الأصيلة ﴿لِرَبِّهِ﴾ المنعم عليه بالنّعم العظام ﴿لَكَنُودٌ﴾ وكفور ، كما عن ابن عباس وجمع من المفسرين (٦) .
وعن أبي امامة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّ الكنود الكفور الذي يمنع رفده ، ويأكل وحده ، ويضرب عبده » (٧) وقيل : أصل الكنود مانع الحقّ والخير (٨) . وقيل : إنّه البخيل (٩) . وقيل : يعني لوّام لربّه يذكر المصيبات ، وينسى النّعم (١٠) . وعلى أيّ تقدير يكون ببخله وعصيانه ومنعه حقوق ربّه ونسيانه نعمه شديد الكفران.
﴿وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ﴾ المذكور من كفرانه لربّه ﴿لَشَهِيدٌ﴾ يشهد بذلك على نفسه ، لظهور آثاره في أخلاقه وأفعاله بحيث لا يمكنه إنكاره ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ والاشتياق إلى الأموال الدنيوية ﴿لَشَدِيدٌ﴾ وبالغ غايته ، وإنّما سمّى المال خيرا جريا على عادة الناس.
ثمّ ذمّه سبحانه على كفرانه لنعم ربّه مع علمه بكفرانه ، وإكثاره في حبّ المال المستلزم للبخل الشديد ، وغفلته عن سوء عاقبته بقوله : ﴿أَفَلا يَعْلَمُ﴾ هذا الانسان الكفور الطالب لمال الدنيا أنّ الله مجازيه ومعاقبه على سيئاته ﴿إِذا بُعْثِرَ﴾ واخرج ﴿ما فِي الْقُبُورِ﴾ من الأموات وبعث إلى المحشر
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٣.
( ٢ - ٥ ) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٣.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٧ ، عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة.
( ٧ - ١٠ ) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٧.