في تفسير سورة القارعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الْقارِعَةُ * مَا الْقارِعَةُ * وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ
الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة ﴿وَالْعادِياتِ﴾ المتضمّنة لبيان خروج الناس من القبور ، نظمت سورة القارعة المنبئة بكيفية البعث والمخبرة بحساب الأعمال وحسن حال المؤمنين ، فافتتحها بذكر الاسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ شرع فيها ببيان بعض أهوال القيامة بقوله : ﴿الْقارِعَةُ﴾ والحادثة العظيمة التي تقرع القلوب والأسماع.
ثمّ بالغ سبحانه في تهويلها بقوله : ﴿مَا الْقارِعَةُ﴾ وأيّ يوم عجيب هي في الفخامة والفظاعة والشدّة ، وكرّر سبحانه ذكر القارعة لازدياد التهويل والتأكيد.
ثمّ لمّا استفهم عن شئونها تعجيبا له ، بيّن أنّ شأنها وعظم خطرها ممّا لا تناله البشر إلّا بالوحي السماوي بقوله : ﴿وَما أَدْراكَ﴾ يا محمد ، وأي شيء أعجب ﴿مَا الْقارِعَةُ﴾ وما مقدار عظمتها ؟ فانّ عظم شأنها فوق إدراك البشر.
قيل : إنّما سمّيت القيامة بالقارعة لأنّ الفزع هو الضرر ، وفي القيامة تصطك (١) الأجرام العلوية والسفلية اصطكاكا شديدا عند تخريب عالم الدنيا ، أو لأنّ القيامة تفزع الناس بالأهوال الاقراع حيث إنّ السماوات تنشقّ وتنفطر ، والشمس والقمر تتكوران ، والكواكب تنتثر ، والجبال تندكّ ، والأرض تزلزل وتبدّل ، أو لأنها تفزع أعداء الله بالعذاب والخزي والنّكال (٢) .
ثمّ بيّن سبحانه بعض أهوالها بقوله : ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ﴾ بعد إحيائهم وبعثهم من القبور ﴿كَالْفَراشِ﴾ والحيوانات التي تطير وتتهافت على السّراج فتحترق ﴿الْمَبْثُوثِ﴾ والمفرّق في الهواء والأرض ، لا تتوجّه إلى جهة واحدة. قيل : وجه الشّبه الكثرة والانتشار والضّعف والذلّة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار (٣) .
__________________
(١) في النسخة : اصطك.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ٧٠.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٤٩٩.