في تفسير سورة التكاثر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة القارعة المتضمّنة لتهويل يوم القيامة وبيان بعض أهواله ، وتهديد العصاة بالهاوية ، نظمت سورة التكاثر المتضمّنة لتوبيخ الناس على الغفلة عن التفكّر في الآخرة ، وعدم الاشتغال بما ينجيهم من الأهوال والعذاب فيها من طاعة الله ورسوله ، وتهديدهم برؤية الجحيم ، والسؤال عن النّعم الدنيوية ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ شرع سبحانه بتوبيخ الناس على الغفلة عن الآخرة بالاشتغال بالدنيا بقوله : ﴿أَلْهاكُمُ﴾ وصرفكم أيّها الناس عن ذكر الله وطاعته وعبوديته ، والتفكّر في آيات توحيده ، والتدبّر في أمر الآخرة ، وتحصيل موجبات السعادة الأبدية ﴿التَّكاثُرُ﴾ والتفاخر والتباهي بكثرة العدد والأقرباء ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ﴾ وتوجّهتم إلى الأموات ، واستوعبتم عددهم ، وتفاخرتم بكثرة أقربائكم منهم.
روي أنّ بني سهم وبني عبد مناف تفاخروا أيّهم أكثر ، فكان بنو عبد مناف أكثر ، فقال بنو سهم : عدوا مجموع أحيائنا وأمواتنا [ مع ] مجموع أحيائكم وأمواتكم ، ففعلوا فزاد بنو سهم ، فنزلت (١).
وإنّما عبّر سبحانه عن انتقالهم إلى ذكر الأموات بزيارتهم للتهكّم بهم ، فانّ زيارة القبور التي حقّها أن تكون مذكّرة للموت مرغّبة إلى الزّهد في الدنيا والإعراض عنها وترك التباهي والتفاخر ، جعلوها سببا للقسوة وحبّ الدنيا.
وقيل : إنّ المعنى الهاكم التكاثر بالأموال والأولاد ، إلى أن متمّ وأقبرتم مضيّعين أعماركم في طلب الدنيا ، معرضين عمّا يهمّكم من السعي لآخرتكم ، فتكون زيارة القبور كناية عن الموت (٢) .
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله سمع أنّه يقرا هذه الآية ويقول بعدها : « يقول ابن آدم ، مالي مالي ، وهى لك إلّا ما
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ٧٦ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٩٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٢.
(٢) تفسير أبي السعود ٩ : ١٩٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٦٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٢.