أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت ؟ » (١) .
وفي التعبير عن ورود القبر بالزيارة إشعار بالخروج منه إلى الحشر وموقف الحساب ، حيث إنّ الزائر منصرف ومفارق لا مقيم ، وإنّما لم يذكر سبحانه الملهى عنه ليذهب ذهن السامع كلّ مذهب ، فيحتمل جميع ما فيه السعادة الأبدية والخيرات الاخروية وما فضّل به [ من ] المقامات العالية والدرجات الرفيعة.
﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ *
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٣) و (٦)﴾
ثمّ ردّ سبحانه المتكاثرين عمّا هم فيه من التكاثر بقوله : ﴿كَلَّا﴾ ليس الأمر كما تتوهّمون من أنّ السعادة بكثرة العدد أو المال والأولاد ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ خطأكم ، وعن قريب تطّلعون على ضلالتكم ، وذلك العلم والاطّلاع حين خروج روحكم من أبدانكم ، حيث إنّكم حينئذ ترون وحدتكم وعدم نفع الأقرباء والأموال لكم وشدائد الأهوال قدّامكم ، أو حين دخولكم في القبور ، حيث إنّكم تعذّبون فيها ولا ناصر لكم.
في الحديث : يسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنّينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة ، لو أن تنّينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « لو دخلتم قبوركم » (٣) .
ثمّ أكّد سبحانه التهديد بقوله : ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ وفي لفظ ﴿ثُمَ﴾ دلالة على أنّ الإنذار الثاني أبلغ من الأول ، لأنّ فيه تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان.
وقيل : إنّ التهديد الأول بعذاب القبر ، والثاني بأهوال القيامة ، كما روي عن ذرّ أنه قال : ما زلنا نشكّ في عذاب القبر حتّى سمعت عليا عليهالسلام يقول : «﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي سوف تعلمون في القبر ، ثمّ في القيامة » (٤) .
وقيل : إنّ الأول عند الموت حين يقال له : لا بشرى ، والثاني في سؤال القبر ، من ربّك ، ومن نبيك ، وما دينك ؟ (٥)
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٨١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٦٨ ، تفسير الرازي ٣٢ : ٧٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٢.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٣.
(٣) روضة الواعظين : ٤٩٣ ، عن النبي صلىاللهعليهوآله ، تفسير الصافي ٥ : ٣٦٩ ، لم ينسبه إلى أحد.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ٧٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٣.
(٥) تفسير الرازي ٣٢ : ٧٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٣.