في تفسير سورة العصر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالْعَصْرِ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة التكاثر المتضمّنة لذمّ الانسان على التكاثر بالعدد والمال ، وتهديده برؤية الجحيم والسؤال عن النعيم ، نظمت سورة ﴿وَالْعَصْرِ﴾ المتضمّنة لبيان كون الانسان بسبب رغبته في النّعم الدنيوية في خسران وضرر عظيم ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بالقسم بالعصر بقوله : ﴿وَالْعَصْرِ﴾ قيل : إنّ الله أراد به الدهر ومطلق الزمان ، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه تعالى أقسم بالدهر (١) ، الدهر (٢) مشتمل على السراء والضراء ، والصحّة والسقم ، والغنى والفقر (٣) وغيرها من آثار قدرة الله تعالى ، ولأنّه من أصول النّعم الذي لو ضيعه يسأل عنه.
وقيل : إنّه تعالى أراد به وقت العصر ، والعشي الذي هو بعد مضيّ قليل من الزوال إلى الغروب ، وأقسم به كما أقسم بالضّحى لظهور آثار قدرة الله فيهما ، ولأنّ لوقت العصر بسبب خلق آدم فيه شرفا زائدا على سائر الأوقات (٤) ، ولأنّ في القسم به تنبيها على أنّه وقت إذا لم يحصّل الانسان فيه ربحا كان من الخاسرين.
وقيل : أراد به سبحانه عصر النبوة (٥) ، فانّه أشرف الأزمنة فاقسم سبحانه بزمان النبي صلىاللهعليهوآله كما أقسم بمكانه بقوله : ﴿لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ﴾(٦) وأقسم بعمره بقوله : ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾(٧) .
وقيل : إنّ المراد به صلاة العصر ، لظهور كثير من الأخبار في كمال فضيلتها (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ٨٤.
(٢) في النسخة : ولا الدهر.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ٨٤.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٦.
(٥) تفسير أبي السعود ٩ : ١٩٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٦.
(٦) البلد : ٩٠ / ١ و٢.
(٧) الحجر : ١٥ / ٧٢.
(٨) تفسير أبي السعود ٩ : ١٩٧ ، تفسير الرازي ٣٢ : ٨٥.