حيث قال لهم صالح : تصبح غدا وجوهكم مصفرّة ، وبعد غد محمّرة ، وفي اليوم الثالث مسوّدة ، ثمّ يصبّحكم العذاب.
قيل : لمّا رأوا وجوههم كما قال صالح ، عمدوا إلى قتله ، فنجّاه الله إلى ارض فلسطين ، ولمّا كان اليوم الرابع تحنّطوا وتكفّنوا (١)﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ والنار النازلة من السماء ﴿وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ إليها حين نزولها.
وقيل : انّ المراد بالصاعقة صيحة جبرئيل مجازا ، ويحتمل أنّه كانت الصاعقة مع الصيحة ، فانّ الصيحة لا ينظر إليها ، بل تسمع بالاذن (٢) .
وقيل : هو من الانتظار ، والمعنى : هم ينتظرون ما أوعدوا به من العذاب ، حيث شاهدوا علامات نزوله (٣) .
وقيل : إنّ معنى ينظرون يتحيّرون (٤) ، فاهلكوا جميعا ﴿فَمَا اسْتَطاعُوا﴾ شيئا قليلا ﴿مِنْ قِيامٍ﴾ وما قدروا عليه ، فضلا عن الهرب ، أو المراد ما قدروا على قليل من المقاومة والثّبات له ﴿وَما كانُوا﴾ حينئذ ﴿مُنْتَصِرِينَ﴾ بغيرهم في دفع العذاب ، أو ما كانوا مدافعين عن أنفسهم ، أو ممّن له شائبة الدفاع.
﴿وَ﴾ أهلكنا ﴿قَوْمَ نُوحٍ﴾ بالغرق ، أو اذكرهم ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي عصر سابق على أعصار هؤلاء المهلكين ، ثمّ ذكر سبحانه سبب إهلاكهم بقوله : ﴿إِنَّهُمْ كانُوا﴾ حال حياتهم ﴿قَوْماً فاسِقِينَ﴾ وخارجين عن طاعة الله ورسوله ، وفي ذكر القضايا الخمسة تسلية للنبي صلىاللهعليهوآله ، كيلا لا يشقّ عليه كفر وعنادهم ، فانّ البلية إذا عمّت طابت.
﴿وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ *
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٧) و (٥١)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات الحشر وتهديد منكريه ، شرع في إثبات التوحيد بالموجودات بقوله : ﴿وَالسَّماءَ﴾ المرفوعة التي ترونها لهذا العام والدار الدنيا سقفا محفوظا ، لا شكّ في أنّه ما بنتها الكواكب التي فيها ، ولا الأصنام التي تنحتونها ، بل نحن ﴿بَنَيْناها﴾ ورفعناها ﴿بِأَيْدٍ﴾ وقوة وقدرة لنا
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٤٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ١٦٩.
(٢-٤) تفسير روح البيان ٩ : ١٦٩.