أقول : ويحتمل كون المراد عصر ظهور القائم عليهالسلام [ وسيأتي ] ، عن الصادق عليهالسلام (١) .
﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٢) و (٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ﴾ بجميع أفراده ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ عظيم ونقصان وضرر لا نهاية له من حيث تضييع عمره وإتلاف ماله وإهلاك نفسه باتّباع الشهوات والإنهماك واللذّات والاستغراق في حبّ الدنيا والاشتياق إليها ، مع كونه قادرا في مدّة عمره على تحصيل السعادة الأبدية والراحة السرمدية والنّعم الدائمة بطاعة ربّه واتّباع رضوانه.
وعن الصادق عليهالسلام : « ﴿ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إلى آخر الدهر » (٢) .
وعن ابن عباس : اريد من الانسان هنا جماعة المشركين ، كالوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطّلب (٣) . وقيل : اريد أبو لهب (٤) . وروي أنّه اريد به أبو جهل (٥) . وروي أنّ هؤلاء كانوا يقولون : إنّ محمدا لفي خسر ، فأقسم الله تعالى إنّ الأمر بالضدّ ممّا توهّموه (٦) .
أقول : لا منافاة بين إرادة العموم من الآية ، ونزولها في بعضهم ، كإرادة العموم من قوله ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾(٧) ونزوله في حقّ الوليد ، ويشهد لإرادة العموم الاستثناء بقوله : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله واليوم الآخر ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ واكتسبوا بأعمارهم وأموالهم الفضائل والخيرات لأنفسهم المستتبعة للدرجات الرفيعة والمقامات العالية في الآخرة ، فانّهم في تجارة لن تبور ، حيث باعوا الدنيا الدنيّة الخسيسة ، واشتروا الآخرة الباقية النفيسة ، فيالها من صفقة ما أربحها !
وهم مضافا إلى تكميل نفوسهم بالايمان والعمل ، يسعون في تكميل نفوس غيرهم بأن ردعوهم عن الشرك ﴿وَتَواصَوْا﴾ وتعاهدوهم على الايمان ﴿بِالْحَقِ﴾ وهو التوحيد ، ورسالة الرسول ، وتصديق كتابه والعمل به وباحكامه ﴿وَتَواصَوْا﴾ وتعاهدوا على طاعة الله ﴿بِالصَّبْرِ﴾ عليها وتحمّل مشاقّها ، وكفّ النفس عن المعاصي التي تشتاق إليها.
ثمّ إنّه بناء على كون الحقّ أعمّ من الايمان والعمل (٨) [ فانّ تخصيص هذا التواصي بالذكر مع
__________________
(١) إكمال الدين : ٦٥٦ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٢.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٤٤١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٢.
(٣و٤) تفسير الرازي ٣٢ : ٨٦.
(٥) تفسير الرازي ٣٢ : ٨٦ و٨٧.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ٨٧.
(٧) الحجرات : ٤٩ / ٦.
(٨) جواب هذه العبارة سقط من النسخة ، وقد أكملناه من تفسير أبي السعود ٩ : ١٩٧ ، وتفسير روح البيان ١٠ : ٥٠٧ ، وكذا سقط أول الحديث الآتي عن الصادق عليهالسلام وأثبتناه من إكمال الدين.