وكسرى ، فغضب أبرهه ، وأمر بردّ إبله ، وقال : ننظر من يحفظ البيت منّي ؟
فرجع عبد المطّلب ، وأمر أهل مكّة أن يجمعوا أموالهم وأمتعتهم ويصعدوا على الجبل ، فلم يبق في مكّة أحد تخوّفا من معرّة الجيش ، فجهّز أبرهة جيشه ، وقدّم الفيل الأعظم (١) . قيل : سقوه الخمر ليذهب تمييزه ، فكانوا كلّما وجّهوه إلى جهة الحرم برك ولم يبرح ، وإذا وجّهوه إلى اليمن أو إلى سائر الجهات هرول ، وجاء عبد المطّلب وأخذ بحلقة البيت ، وقال :
لا همّ إنّ المرءيح |
|
مي رحله فامنع حلالك |
لا يغلبنّ صليبهم |
|
و محالهم عدوا محالك |
فالتفتت وهو يدعوا ، فاذا بطير فقال : والله إنّها لطير غريبة لا نجدية ولا تهامية ولا حجازية ، وإنّ لها لشأنا ؛ وكان مع كلّ طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمّصة(٢).
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ
مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٢) و (٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه كيفية فعله بهم بقوله : ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ﴾ ربّك ﴿كَيْدَهُمْ﴾ وتدبيرهم وتخريب الكعبة وتعطيلها من الزوّار ﴿فِي تَضْلِيلٍ﴾ وتضييع وإبطال بأن أهلكهم أشنع إهلاك.
ثمّ بيّن سبحانه كيفية إهلاكهم بقوله : ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ﴾ لاهلاكهم ﴿طَيْراً﴾ لم ير مثلها حال كونها ﴿أَبابِيلَ﴾ وجماعات. قيل : كانت أفواجا متتابعة بعضها على أثر بعض ، أو من هاهنا وهاهنا ، جمع إبالة ، وهي الحزمة الكبيرة ، شبّهت بها جماعة الطير في تضامّها (٣) .
قيل : كان عبد المطّلب وأبو مسعود الثقفي يشاهدان من فوق الجبل عسكر أبرهة ، فأرسل الله طيرا أسود صفر المناقير خضر الأعناق طوالها ، وخضراء أو بيضاء أو بلقاء (٤) .
عن عائشة : أنّها أشباه الخطاطيف والوطاويط ، ولها خراطيم الطير ، وأكفّ الكلاب وأنيابها (٥) .
وعن ابن جبير ، لم ير مثلها ما قبلها ولا بعدها (٦) . وقال [ عكرمة ] : هي عنقاء مغرب (٧) وفي الخبر : أنّها طير بين السماء والأرض تعيش وتفرخ (٨) .
وقيل : من طير السماء ﴿تَرْمِيهِمْ﴾ من فوقهم ﴿بِحِجارَةٍ ،﴾ فيها مكتوب اسم من قتل بها مخطّطة بالحمرة كالجزع (٩) الظفاري ، كما عن ابن عباس (١٠) ، كائنة ﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾ وطين متحجّر ، معرّب سنك
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٣.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٤ ، و٥١٥.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٧.
( ٤- ٨ ) تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٥.
(٩) الجزع : ضرب من العقيق.
(١٠) تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٥.