﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ ها بحيث تحيط بجميع كرات العناصر ، بل كلّها بالنسبة إليها كحلقة في فلاة ، أو لموسعون الرزق على الخلق منها ، أو المراد لقادرون على خلق أمثالها ﴿وَالْأَرْضَ﴾ البسيطة التي تسكنونها ، نحن ﴿فَرَشْناها﴾ وبسطناها تحتكم ، لتستقرّوا عليها ، ومهدناها لكم كالفراش ، تنامون وتتقلبون عليها ﴿فَنِعْمَ الْماهِدُونَ﴾ نحن ، أو ماهدها.
﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء ، وجنس من الاجناس ﴿خَلَقْنا زَوْجَيْنِ﴾ ونوعين ، أو صنفين ، كالجوهر والعرض ، والمجرّد والمادي ، والجماد والنامي ، والمدرك والنبات ، والناطق والصامت ، والذكر والانثى ، إلى غير ذلك ، وإنّما فعلنا جميع ذلك ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ وتتنبّهون أنّ ربكم قادر على كلّ شيء ، وفرد لا زوج له ، وأنّه خلق للدنيا زوجا ، وهو الآخرة ، وأنّه مستحق للعبادة ، ومتفرّد في الالوهية ، فقل يا محمد إذا ظهر لكم أنّ الامر كذلك : ﴿فَفِرُّوا﴾ وأهربوا من العذاب ، ومن كلّ ما تخافون منه ﴿إِلَى اللهِ﴾ القادر المنعم عليكم وحده ، واسرعوا في الايمان بتوحيده والتسليم لأحكامه ، وبادروا إلى عبادته ، كي تنجوا من عقابه ، وتفوزوا بثوابه ﴿إِنِّي لَكُمْ﴾ يا عباد الله ﴿مِنْهُ نَذِيرٌ﴾ ومخوّف من عذابه على الشرك ﴿مُبِينٌ﴾ وظاهر رسالتي عنه ببرهان قاطع ومعجز باهر ، لا عذر لكم في تكذيبي وعدم اتّباع قولي.
ثمّ أكّد الأمر بالتوحيد بالنهي عن الشرك بقوله : ﴿وَلا تَجْعَلُوا﴾ بهوى أنفسكم ﴿مَعَ اللهِ﴾ الواحد الأحد في الالوهية والربوبية والمعبودية ﴿إِلهاً﴾ ومعبودا ﴿آخَرَ﴾ من مخلوقاته ، كالكواكب والأصنام وغيرهما ، ولا تدعوا معه غيره ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.
﴿كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ *
أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٢) و (٥٥)﴾
ثمّ لمّا كان النبي صلىاللهعليهوآله كلّما دعا قومه إلى التوحيد والايمان بالبعث بعد الموت ، قالوا إنّه مجنون وكلّما أتى بالمعجزات قالوا : إنّه ساحر ، وكان يتأثّر قلبه الشريف من ذلك ، سلّاه سبحانه بالإخبار بأنّ سائر الأمم كان دأبهم ذلك بقوله : ﴿كَذلِكَ﴾ أمر سائر الامم ، فانّه ﴿ما أَتَى﴾ الامم ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من زمان نوح ﴿مِنْ رَسُولٍ﴾ مبعوث لهدايتهم ﴿إِلَّا قالُوا﴾ في حقّه إذا أتاهم بمعجزة : إنّه ﴿ساحِرٌ أَوْ﴾ إذا دعاهم إلى التوحيد والمعاد : إنّه ﴿مَجْنُونٌ﴾ فلا تحزن على ما قال قومك في حقّك.
والعجب من اتّفاق جميع الامم على هذا القول الشنيع في حقّ رسلهم ﴿أَتَواصَوْا بِهِ﴾ وتعاهد