في تفسير سورة قريش
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الفيل المتضمّنة لبيان إنعام الله على قريش بدفع أصحاب الفيل عنهم ، وحفظ الكعبة التي كان بها عزّهم وشرفهم ، نظمت سورة قريش المتضمّنة لبيان منّته عليهم بإدامة تجارتهم إلى اليمن والشام وإطعامهم من الجوع ، وتوسعة معاشهم ، وأمنهم من الخوف من أصحاب الفيل وغيرهم ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها ببيان حكمة من حكم إهلاك أصحاب الفيل ، وهي إنعامه على قريش بقوله : ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾ قيل : إنّ التقدير جعل الله أصحاب الفيل كعصف مأكول وأهلكهم أشنع إهلاك ، لأجل إبقاء قريش على ما التزموا به (١)
ثمّ كأنّه قيل : [ ما ] ذلك الايلاف والالتزام ؟ فأجابه سبحانه بقوله : ﴿إِيلافِهِمْ﴾ والتزامهم ﴿رِحْلَةَ الشِّتاءِ﴾ والسفر في الأزمنة الباردة للتجارة إلى اليمن ﴿وَ﴾ في ﴿الصَّيْفِ﴾ والأزمنة الحارة إلى الشام ، ولأجل أن يألفوا هاتين الرحلتين ، ويجمعوا بينهما ، ويداوموا عليهما.
عن ابن عباس قال : كانت قريش إذا أصاب أحدهم فقر وجوع أخذ بيد عياله وخرج إلى الصحراء ، وضرب على نفسه وعياله خيمة ، وبقى هناك حتّى يموت هو وعياله ، وكانوا على ذلك إلى أن جاء هاشم بن عبد مناف ، وكان سيد قومه ، وكان له ابن يقال له أسد ، وكان له ترب (٢) من بني مخزوم يحبّه ويلعب معه ، فشكا إليه ضرر المجاعة ، فدخل أسد على امّه يبكى ، فأرسلت إلى اولئك بدقيق وشحم ، فعاشوا به أياما ، ثمّ أتى ترب أسد إليه مرّة اخرى ، وشكا إليه من الجوع ، فقام هاشم خطيبا في قريش فقال : إنكم أجدبتم جدبا تقلّون فيه وتذلّون ، وأنتم أهل حرم الله ، وأشراف ولد آدم ، والناس لكم تبع.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٠٣.
(٢) الترب : الممائل في السنّ.